Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/05/2009 G Issue 13387
الأحد 29 جمادى الأول 1430   العدد  13387

اما بعد
احذر مصاحبة اللئيم
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

لم ير أشد دناءة، ولا أحقر حالاً من حال اللئام، فأخلاقهم كريهة، وصفاتهم قبيحة، عجائبهم لا تنقضي، سماتهم الغالبة منكرة في ظاهرها، مستهجنة في جوهرها، سواء أكان ذلك في مواقفهم أو في أقوالهم أو في أفعالهم، فمن أوضح الدلائل على لؤمهم وقبيح أفعالهم، أنهم يبخلون بإلقاء تحية الإسلام (السلام) على من يقابلهم، ويتساوى في ذلك من يعرفون، وحتماً من لا يعرفون، على الرغم من أنّ السلام سنّة حميدة، تؤلف القلوب وتوحّدها، تشعرها بالدفء والإلفة، وتوثق الصلة والتواصل، ولغلبة اللؤم على طبائع هؤلاء الأشباه، ولكون اللؤم أصيلاً في طبائعهم ونفوسهم، تراهم يبخلون ويحجمون عن الوفاء بهذه السنّة، ولهذا لا غرابة البتة أن تقصر شمائلهم الحسنة وتختفي من سلوكياتهم، وتبدو خصالهم السيئة، وتظهر علانية دون خجل أو حياء.

والوفاء خلق نبيل، وسمة جليلة، وشيمة لا يقدر عليها إلاّ كرام الرجال وأخيارهم، واللئام وعديمو المروءة يقصرون دونها، ولا يعد الوفاء من خياراتهم التي يفكرون فيها.

إنّ سير اللئام على اختلاف الزمان والمكان عجيبة، يقول سقراط: (إذا احتاج اللئيم تواضع وتقرّب، وإذا استغنى تجبّر وتكبّر) .. والحكمة العربية تقول: (محادثة اللئيم ندامة) و(سلاح اللئام قبح الكلام)، ويقال: (من شأن اللئام أنهم يستكثرون رد السلام، فلا يستقل قليلهم)

أتبخل بالسلام فكيف يرجى نداك وأنت تبخل بالسلام، فالوفاء والندى والكرم في القول والعمل، أخلاق لا يقدر عليها اللئيم، على الرغم من أنها قد لا تتطلّب منه إلاّ القليل من الجهد، لكن غلبة اللؤم في طباعه، وتأصلها فيه، تمنعه من أن يتصف بأبسط ما يمكن أن يميّز الإنسان عن غيره من سائر مخلوقات الله، لذا تراه يضخم ذاته ويتكبّر، لنقص يشعر به، ويبالغ في رفع ذاته إلى مصاف ليس أهلاً لها، وينسب كل فعل حسن له، حتى وإنْ لم يكن من صنعه، فقد تعوّد على التسلُّق على أكتاف الآخرين، ليس هذا فحسب، بل لا يتردّد في أن يهين زملاء دربه ويتجاهلهم ويقسو عليهم، بمجرّد أنه دحرج إلى مكانة أعلى لا يستحقها، يتعالى ويتكبّر، ولأنانيته يتجاهل جهود من سبقه ويهملها، بل ويقلل من شأنها، ويزعم أنه الأقدر على أن يأتي بما لم يأت به من سبقه، فهو الأعلم منهم، وهو المصلح والمنقذ، يصول ويجول هائجاً مستعجلاً، يأمر هذا ويزجر ذاك، يطرب للنائبات ليخطب فيها ذماً وقدحاً، يدب كالدودة ذليلاً حقيراً إنْ كانت له حاجة، وإذا نبا الدهر بمن دب حوله بالأمس مترجياً، تراه اليوم يجفوه ويجانبه ويغتابه، يتذلّل عندما يذوق طعم الحرمان والمنع، يروم أذى الكرام الأحرار، ولا ينطق بحقهم سوى بساقط القول وبذيئه، مجانب الإنصاف والعدل، قبيح الكلام والفعال.

واللئيم إن أحسنت إليه لا يشكر، وإن قسوت عليه جزع وفزع، كثير التسويف، يجيد صفصفة الكلام الناعم الفارغ، ويعجز عن أداء الواجب، و مصاحبته تجر الندامة، قبيح وإن تزيّن، ذليل وإن تكبّر.

لهذا فإنّ (أذل الناس معتذر إلى لئيم)، و(من انتجع لئيماً كان أدنى عقوبته الحرمان) ويقال: (إنّ من انتجع لئيماً كان كمنتجع السراب)، ومنتجع السراب لن يجني إلاّ الخيبة والظمأ.

ورحم الله قائل هذا البيت:

ليس اللئيم تزينه أثوابه

كالميت ليس تزينه الأكفان

فمهما تزيّن اللئيم في مظهره، يبقى جوهره أصدق أنباءً في الدلالة والتعبير عن حقيقة دناءته وخسّته، لهذا احذروا كلّ الحذر من مصاحبة اللئام، ولتكن حالكم معهم كحال السحيمي إذْ يقول:

وما لي وجه في اللئام ولا يد

ولكن وجهي في الكرام عريض

Ab_moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد