Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/04/2009 G Issue 13361
الثلاثاء 03 جمادى الأول 1430   العدد  13361
شيء من
ذوو الرقاب الملتفة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

خلق الله الرقبة ليتمكن الإنسان من الالتفات نحو اليمين ونحو الشمال، ولكن الوضع الطبيعي، وإن شئت الصحي، أن تتجه الرقبة، وبالتالي الرؤية إلى (الأمام). فالخالق جل وعلا لم يجد أن من الضرورة أن تستدير الرقبة ليرى الإنسان ما يجري خلفه، إلا باستدارة الجسم كاملاً، وليس الرقبة فحسب.

مشكلة البعض منا أنهم يصرون على أن اتجاه النظر هو إلى الوراء أولاً قبل أن يتجه إلى الأمام. هذه النظرة الماضوية هي ما نسعى إلى إصلاحها، فتقويم توجه الرقبة يعني بالمختصر المفيد أن نصبح مثل كل البشر، ينظرون إلى ما يجري أمام أعينهم، وبالتالي يخططون ويسعون للتقدم إلى الأمام.

الماضوية والإصرار عليها، والتشبث بها، هي من أهم حجج المجتمع الجاهلي عندما رفض دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ). ومن يقرأ تاريخ الأمم يجد أن أي دعوة إصلاحية يتبنى رفضها ومعارضتها (المترفون) المتشبثون بإبقاء الواقع كما هو عليه.

ولعل من عللنا المعرفية أننا نقرأ التاريخ ليس لنستوعبه ونستفيد منه ونستنير بما آلت إليه نتائجه، وإنما نقرأه لنعيده ونكرره ونتقمص فيه، ونفرضه على واقعنا فرضاً وبالقوة. من هنا جاءت العبارة المضللة، والمليئة باللاواقعية: (التاريخ يعيد نفسه). وقد قرأت لأحد الكتاب لفتة جديرة بالملاحظة، أجد من الضرورة بمكان إيرادها هنا. يقول وليد سعيد البياتي: (لا يصبح المستقبل تكويناً للماضي في زمن لاحق، أي لا يمكن اعتبار المستقبل تكراراً للماضي، فالقول بهذه النظرية سيقود إلى تفسير حركة التاريخ تفسيراً خاطئاً، كأن تصبح حركة التاريخ مساراً دائرياً تتكرر على محيطه الأحداث وفقاً لإيقاع ارتداد الزمن، ولما أكدنا في بحوث سابقة أنه لا يمكن اعتبار الزمن عاملاً مرتداً، فالحدث التاريخي هو الآخر غير مرتد، أي بمعنى آخر لا يكون خاضعاً لفكرة الماضوية فالمستقبل كيان قائم بذاته يتواصل مع الماضي لكنه لا يكرره، فقيمة المستقبل تكمن باعتباره تجسيداً غير منقطع لحركة التاريخ، فالصلاة اليومية هي ليست مجرد تكرار يومي لحدث سابق ولكنها وجود جديد يولد في كل يوم).

ومن يقرأ فكرنا (السعودي) المعاصر قراءة موضوعية يجد أن الماضوية هي المسيطرة عليه، والمتحكمة في توجهاته، بل هي (الحَكَم) الذي من خلالها، ومن خلال رموزها يتم الحكم إما لك أو عليك. بمعنى أن الإنسان متى ما كان متسقاً مع الفكر الماضوي، والشروط التي يضعها الماضويون، يكون إنساناً مقبولاً في الزمن الحاضر، ومتى ما خرج ولو قيد أنملة عما اختطه الماضويون يكون متمرداً على ذاته، خارجاً عن مسار الجماعة.

وهذا تحديداً هو أس من أسس الفرق بيننا وبين الغرب المتفوق. الغربيون يمجدون الإبداع، والابتكار، والتغير والتطور، والخروج عن النمط، ويرفعون من شأن (النقد)، بينما ثقافتنا ترفض التغير، وتأبى النقد وتعامله على أنه ضرب من ضروب (التنقص)، وتصيد الأخطاء، وتعتبره خروجاً عن الثوابت، وتقاومه، وتقاوم الداعين إليه بكل قوة.

ولأننا قوم ماضويون، انتهت بنا الماضوية إلى (التبعية) الحضارية، فأصبحنا على حضارة الكون مجرد عالة، كائنات استهلاكية، علاقتها بالحضارة علاقة المستهلك الذي يأكل ما وضع أمامه.

وعن (ماضويتنا) يقول الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن في لفتة شعرية شعبية في غاية الجمال:

(وقتنا دايم يجي في الزمان اللي يروح..

وان سألتيني أحبك؟

كثر ما تبرى الجروح..

أشطبي ألف ذكرى واكتي..

اللي يتذكر غبي، واللي ما ينسى غبي،

ودي أشوفك بعض لحظة هذا كل اللي أبي)!!

إلى اللقاء




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد