Al Jazirah NewsPaper Monday  20/04/2009 G Issue 13353
الأثنين 24 ربيع الثاني 1430   العدد  13353
كم لدينا من نظام صحي..؟ (1-2)
عثمان بن عبدالعزيز الربيعة

 

ما الداعي لهذا التساؤل...؟

الغالب على الصورة التي يرسمها الناس في أذهانهم عن نظامنا الصحي أنه مركب من خدمات صحية متاحة للجميع، لأن الدولة تقدمها للمواطنين (وكثير من الوافدين) بدون مقابل، وبما أن وزارة الصحة هي المسؤولة - باسم الدولة - عن هذه الخدمات..

فهي حاملة الأوزار إن شاب هذه الخدمات عيب أو قصور.

إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة أو على هذه الكيفية، فإنه لا يربط هذه الخدمات -حتى الآن- نسيج واحد يمكن ضبط خيوطه، بل تقدمها جهات متعددة كل منها له نسيجه الفريد، ولذلك فإننا نكون أقرب إلى الواقع حين نتحدث عن قطاعات صحية لا عن نظام صحي، إذ لا توجد معالم واضحة لنظام صحي واحد.

إن من أبرز هذه المعالم - كما في أي نظام صحي في العالم - أسلوب التمويل وحق الانتفاع وإدارة النظام، والتشريعات التي تحكمه، ولو فحصنا هذه العالم فسوف تخبرنا النتائج عن وجود أنظمة صحية متعددة، ولا يكفي هنا أن نميز بين نظام صحي حكومي ونظام صحي للقطاع الخاص.

حتى في القطاع الصحي الحكومي تتعدد الأنظمة:

كل الخدمات الصحية الحكومية يعتمد تمويلها على مصدر واحد هو ميزانية الدولة، لكنك لا تجد معياراً موحداً لتوزيع اعتمادات هذه الميزانية بين الجهات التي تقدم هذه الخدمات، حتى لو كانت الخدمات متمثالة، وكلها بلا مقابل لمن يحق له الانتفاع بها.

وهؤلاء المستفيدون مختلفون من جهة لأخرى.

فوزارة الصحة تقدم الرعاية الصحية العلاجية والوقائية لجميع المواطنين بلا استثناء وجزء من العمالة الوافدة المتمثلة في العمالة المنزلية والحكومية.

القطاع الجامعي له مستشفياته التي تقدم الرعاية العلاجية للمواطنين بعد المرور على العيادات الأولية أو قسم الطوارئ أو بالتحويل، والصحة المدرسية تنحصر خدماتها في الناحية الوقائية والعلاجية التي توفرها وحداتها الصحية للطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات، لكن هؤلاء يمكنهم أيضاً الانتفاع بخدمات وزارة الصحة، أما القطاعات مستشفياتها، لكن هؤلاء بلا استثناء يمكنهم الانتفاع بخدمات وزارة الصحة مثل سائر المواطنين، وعكس ذلك لا ينطبق، إلا أنه يمكن للمواطن الذي يحول من جهة صحية أخرى - أن يعالج في المستشفيات التخصصية العسكرية في حالات صحية محددة، وكذلك الذي يصدر له أمر خاص، مستشفى الملك فيصل التخصصي له وضع مميز لكونه مستشفى مرجعياً للحالات المرضية التي تحال إليه من جهات صحية رسمية أو بأوامر خاصة.

كذلك أسلوب الإدارة والتشغيل والتوظيف داخل القطاع الصحي الحكومي فيه اختلاف كثير ليس بين القطاعات فحسب بل داخل القطاع نفسه.

وزارة الصحة: تدير جميع مراكزها الصحية وأغلب مستشفياتها بأسلوب الإدارة الحكومية التقليدي الذي يتصف بالمركزية في الانفاق والتوظيف، العاملون السعوديون موظفون مدى الحياة، ولكن نسبة من مستشفياتها تدار بأسلوب آخر، هو اسلوب البرامج (ما يسمى بالتشغيل الذاتي)، وتخصص لكل مستشفى ميزانية سنوية تغطي جميع أوجه الإنفاق في البرنامج (ربما باستثناء الإنشائية)، ويعين الموظفون بموجب عقود سنوية مباشرة بواسطة إدارة البرنامج وليس عن طريق وزارة الخدمة المدنية، في هذه البرامج تكون الإدارة ذاتية وليست مركزية كما في الأسلوب التقليدي.

القطاعات العسكرية: أغلب مستشفياتها تدار بأسلوب التشغيل الذاتي (الإدارة الذاتية) أما باقي مرافقها الصحية بالمتبع هو أسلوب الإدارة التقليدي (الإدارة المركزية)، ومع اختلاف أسلوب التشغيل تختلف مستويات الأجور، فإن الممارسين الصحيين والموظفين الإداريين في برامج التشغيل الذاتي يتقاضون أجوراً أعلى بقليل أو كثير من أقرانهم في ظل الإدارة التقليدية الذين يماثلونهم في المؤهل والخبرة ونوع العمل.

في قطاعي الصحة المدرسية والمستشفيات الجامعية لا توجد برامج للتشغيل الذاتي إلا أن الممارسين الصحيين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يعاملون في الرواتب والحوافز كسائر الأكاديميين في الجامعات ومن ذلك السماح لهم بالعمل في القطاع الخاص.

كذلك فإنه تنطبق على العاملين في هذه القطاعات السابق ذكرها انظمة (قوانين) مختلفة، فالذين يعملون في برامج التشغيل الذاتي يخضعون لنظام العمل ويتقاعدون وفق نظام التأمينات الاجتماعية، والذين يعملون كأكاديميين في الجامعات يخضعون للائحة أعضاء هيئة التدريس ويتقاعدون وفق نظام التقاعد المدني، والذين يعملون في المؤسسات الصحية ذات الإدارة التقليدية يخضعون للائحة الوظائف الصحية ويتقاعدون وفق نظام التقاعد المدني، أما العسكريون في القطاعات الصحية العسكرية فتنطبق عليهم أنظمة الخدمة والتقاعد العسكرية.

ماذا عن القطاع الصحي الخاص..؟

أما القطاع الصحي الخاص فإنه عالم آخر مختلف في كل شيء، فهو يستمد تمويله من مصدرين أساسيين مختلفين هما الدفع المباشر من المستفيد الخاص، وما تدفعه شركات التأمين عن المؤمن لهم، وفي بعض الظروف يضاف مصدر ثالث هو التمويل الحكومي مثل قروض الإنشاء وعند الاستقبال المباشر لحالات إسعافية أو عند تحويل حالات مرضية طارئة أو عند استئجار أسرة.. أما حق الانتفاع فهو متاح للجميع مواطنين وغير مواطنين بمقابل يدفعه أحد المصادر المذكورة آنفاً إلا أنه لا توجد في الواقع رابطة تنظيمية أو التزام اجتماعي مشترك بين القطاع الصحي العام والخاص تجاه تقديم الرعاية الصحية للمستفيدين، كما هو الحال في الدول التي تمول حكوماتها أو مؤسسات التأمين الاجتماعي لديها الخدمات المقدمة إلى مواطنيها مثل الدنمارك وبريطانيا أو ألمانيا أو غيرها.

في تلك الدول وأمثالها يكون القطاع الصحي الخاص جزءاً متصلاً من أجزاء النظام الصحي ويقوم بالدور الرئيسي في تقديم الرعاية الصحية العيادية للمرضى التي لا تحتاج إلى إجراءات طبية معقدة أو تنويم ثم يحيلهم إلى المستشفى عند اللزوم ثم يعود المريض إلى طبيبه الذي أحاله ليواصل العناية به.

وعلى هذا النحو يكون القطاع الصحي الخاص في خدمة النظام الصحي ويعمل على تحقيق أهدافه التي حددتها قوانين البلد وعلى الأخص ضمان توفير الخدمة والتغطية الصحية للسكان، وعندما لا تتوافر مراكز (عيادات) طبية خاصة (بسبب عزوف الأطباء عن مناطق نائية وقليلة الدخل مثلاً) هنا تتدخل الدولة بإيجاد الحوافز الجاذبة أو إنشاء وحدات صحية حكومية.

أما في واقعنا المحلي فإن الصورة تختلف إذ توحي بأن نظامنا الصحي في وضعه الراهن هو الذي يخدم القطاع الصحي الخاص، كيف ذلك؟ هذه بعض الأمثلة:

1- تسعير الخدمات وتحديد معايير دخول المستشفى متروك لإدارة القطاع الصحي الخاص، إلا لمن تشملهم تغطية تأمينية، ذلك أن شركات التأمين حريصة على حراسة مواردها!

2- عدم ملاءمة توزيع المرافق الصحية الحكومية في المدن الكبيرة من ناحية وقصر الدوام فيها على وقت النهار (باستثناء أقسام الطوارئ) والازدحام عليها وطول المواعيد تجعل من مؤسسات القطاع الصحي الخاص بديلاً سهلاً للمراجعين خاصة مع كثافة وجودها في هذه المدن وسهولة الوصول إليها.

3- يستطيع القطاع الصحي الخاص التعاقد مع أطباء من أعضاء هيئة التدريس في كليات الطب أوقاتاً محددة، مقابل المشاركة في الدخل، بما يضمن للمؤسسة الخاصة دخلاً أكبر وتكاليف أقل، ولكن العكس لا يطبق، أي لا يستفاد من كفاءات القطاع الخاص في عمل جزئي بمستشفيات الحكومة.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد