Al Jazirah NewsPaper Monday  20/04/2009 G Issue 13353
الأثنين 24 ربيع الثاني 1430   العدد  13353
حتى الخُبز.. يصرُخُ في حناجر البُسطاء
طلال الطريفي

 

حين بكى بوق (فولتير)؛ لم يكن يخبئ الوجع فحسب، ولا (ماري أنطوانيت) رأت المتجمهرين أمام قصرها بعين الاحتقار، فعلى الرغم من أنهما يتضادان في الآمال؛ كانا يحملان النقاء. فأشعار الأول كُتبت بالدموع وجمال عين الثانية حنت على الضعفاء. غير أن عناقيد الإرجاف لا تنفك تدلياً، تنادي قطافها من أيد تهوى قوت الظلام، فتتراقص على صخب التدافع نحو الثرثرة.

قد نحتاج إلى ألف حجر وحجر، كي نلقم أفواها لا تخلف سوى ممرات صوت يزداد تيهه في أذاننا يتحدث بلغة الموت التي لا تموت حقيقتها، فينسجون فوق أحلامنا بؤساً أسود.. والألم أن أيدينا لا تطال إلا ظلالهم، ولا حيلة مع الظل إلا مزيداً من الضوء المبتسم من تفاؤلنا.

نحارُ في صفع أساريرهم التي لا تفقه معنى لنعمة الاختيار، وكم تمنينا لو أننا حملنا لافتة كتب عليها (السكوت من ذهب)، لكنهم يهوون فضة الكلام، لأنهم لا يعرفون قيمة لما هو أغلى منه.

يختبئون في دهاليز الخوف ويتمايلون حين تعلو نبضاته، وكأنهم يمارسون طقوسا لاستقبال غد قاتم اللون، يرسمون ملامحه في وجوه الصغار قبل غيرهم، يلتفون كل يوم بأحجية يقصونها عليهم كقصص جداتنا المخيفة، التي نُسجت في وقت شح به النور، فنهرب لنوم عميق، في انتظار أحلام مفزعة. وننسى أن قصص الجدة والحلم؛ هما حالة ضعف واستسلام عقيمة، انعتقنا منها بعد أن أطلت أعناقنا ورأت الحقائق ماثلة، حين أصاب عين الرهبة ضرر.

لا نعلم من المستفيد من وراء الرسائل المزيفة، التي تحمل عناوين عدة؛ أبرزها

(عاجل... انشرها تؤجر)..

عطور تُهديك رائحة الموت..

لحوم تُقدم بنكهة الكفن...

خُبزٌ تواءم والزجاج...

و...

و... وغيره من رسائل الزوايا المغلقة

يقيناً أن كثيراً ممن اتجهت أناملهم نحو تحويل الرسالة؛ لم تكن نواياهم إلا مزيداً من مصائد الأجر، في زمن خُشي فيه من صحائف اليسار وغرقها بالمزيد.. لكن قد نُخطئ بأجر واحد، وننسى أنه قد يكون أجرين؛ بتتفيه مثل هذه الإشاعات.

لا بد من أن نؤمن بأن الأجهزة الحكومية أولى برد كل ما من شأنه أن يمس حياة المواطن، فلن تصب أجزاء الريالات التي تتبعثر بين جيوب شركات الاتصالات، إلا في خانة أجر مدفوع، لكن بطريقة عكسية، تحمل لوحة (منك إليهم).

كما أنه حان وقت تفعيل الجمعيات الأهلية، لحماية المستهلك، ليس من البضائع الواردة وحسب، بل حتى من التبذير برسائل وهمية، والترشيد الحقيقي للمصروفات. ولا أعلم كم حنجرة جائعة غصت بخبزها من طالبي الحسنات المدفوعة، على اختلاف ألوان الخبز، فكل اختير له مكان يتلعثم به. مساكين هم البسطاء، يستهلكون ويلفظون بأشياء واهية، والخوف أن رقعتهم بدأت تزداد فالكثيرون ركبوا موجة التصديق، وأُصيبوا بدوار التحذير الذي لا ينفك.

على الرغم من أن كثيراً من تلك الرسائل واهية؛ إلا أنها قد تصيب الأجساد بسقم النفس الخائفة، لاسيما أن أوجاعنا تتحالف والحال التي نخشاها. فحين نؤمن أن أكثر ما في القبور من الصدور، لا يعني أن العين (الحسد) هي المتهم الأول؛ إذ إن الصدور تحوي الأنفس التي قد تصاب بأمراض عضوية عدة، جراء تفاعلات نفسية خاطئة.

لنعاهد الصباح؛ أن نكون أكثر إدراكاً ودراية بهمهمات المساء...

ولنخنق كل صوتٍ (أهدف) بسكوت أعمق؛ فشعارنا (لا لفساق النبأ) واسألوا فضاءنا عن قهر السكوت، حين كنا لحمة لم ينغرس في جسدها خنجر الفتنة فكثير من أهل النبأ يصنعون من حناجرهم كل يوم صرخة نشاز، تقف على أعتاب آذاننا وتموت، فكم وسيلة إعلامية جندت صوبنا وقهرناها. لكن هؤلاء جاءوا ورائحة الفرقة تفوح من أرواحهم، لا مكان للنقاء بينهم؛ ليسوا كفولتير وماري أنطوانيت، كلهم لوحة بشعة، لا مكان للبياض بينها.

أما الآخرون؛ فبنقائهم اجتهدوا وأخطأوا.. ولا بد أن نمل حال الخطأ المستمر، لأن للصواب طريقاً أمتع. فلبِنَاتُنا أساسها متين، ووجهنا جبينهُ عنوانُ الصفاء.

إعلامي وأكاديمي سعودي


talal.altrify@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد