Al Jazirah NewsPaper Monday  20/04/2009 G Issue 13353
الأثنين 24 ربيع الثاني 1430   العدد  13353

الجائزة وإنجازات رائدة -4-
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

أشير في نهاية الحلقة السابقة إلى ما حظي به الأستاذ الدكتور عبد العزيز المانع من تقدير وحفاوة بعد نيله جائزة الملك فيصل العالمية - هذا العام - في فرع اللغة العربية والأدب من قبل جهات وطنية علمية وأدبية وثقافية.. ومن تلك الجهات جامعة الملك سعود.

واختتمت الحلقة بالاشارة إلى أن بوادر لاحت في الأفق مبشرة بأن زامر الحي أصبح يطرب، وفي حفل التكريم الذي أقامته احتفاء به كلية الآداب في تلك الجامعة بدرت في كلمات من تحدثوا ومن تحدثن ومضات من آمال بأن اللغة العربية.. لغة أمتنا.. التي هي ركيزة جوهرية من أسس هويتها يمكن أن تنفخ في صورتها روح تعيد إليها احترامها.

وفي النشوة من سماع ما بدر في تلك الكلمات انتعشت في نفسي أمنية بأن تكون جامعة الملك سعود، وبخاصة في ظل إدارتها المتوثبة حماسة للرقي بها، متمسكة بعدم الاقدام على أي خطوة تتيح لأي لغة أجنبية فرصة لمنافسة اللغة العربية، أو تقربها من منافستها. أقول هذا لأن بعضاً مما يحدث في هذا الوطن العزيز ينذر بأمور يجدر بالمهتمين بهويته أن يقدِّروا أبعادها كل التقدير حفاظاً على هذه الهوية.

منظمة اليونسكو سبق أن أوضحت وفق دراسات علمية أن استيعاب الإنسان بلغته الأم أعظم من استيعابه بلغة غيرها. وتدريس المواد - بناء على ما أوضحته تلك المنظمة - بلغة غير اللغة الأم لن يساعد على استيعاب المواد المدرسة بل سيقلل من استيعابها. وكان وزراء التربية والتعليم العرب قد قرروا بأنه يجب أن تدرس جميع المواد وفي كل المراحل الدراسية باللغة العربية قبل نهاية عقدين لم يبق منهما الآن إلا بضع سنوات.

قد يقول قائل: إن قرارات أولئك الوزراء لا تعدو أن تكون مثل قرارات الأمم المتحدة بشأن إدانة الكيان الصهيوني. ولذلك فإنه لا قيمة لها في ميدان التطبيق. بل قد يقول قائل: إن قراراتهم لا ترقى إلى مستوى قرارات القادة العرب في مؤتمرات قممهم. أين قرارات مؤتمر القمة في الخرطوم مثلاً؟ وأين؟ وأين؟ وحدث ولا حرج عن اتفاقيات مثل اتفاقية الدفاع العربي المشترك.

وكان مؤتمر القمة العربية، الذي انعقد في الرياض قبل زمن قصير، قد أوصى بالعناية باللغة العربية. وتلك التوصية، التي أوحت بها صحوة ضمير عابرة، توصية مشكورة ومقدرة. لكن من الصعب القول: إنها كانت منطلقة من إرادة جادة تعي ما تقول وتلتزم بتنفيذه. ومن الصعب القول: إن استعمال غير اللغة العربية في التدريس لا يتناقض مع ما يؤمل أن يكون مفهوم ما تتضمنه تلك التوصية القاضية بالعناية باللغة العربية واحترامها.

تغيير لغة التدريس في كبرى جامعات قطر من أقطار جزيرة العرب من العربية إلى الانجليزية مثلٌ من أمثلة رفض توصية القادة العرب. والسماح للمدارس الخاصة في قطر آخر من أقطار هذه الجزيرة بأن تدرس المواد فيها بأي لغة أجنبية مثلٌ ثان من أمثلة العمل ضد قرارات تلك القمة العربية التي أصدرت التوصية المشار إليها. والأمثلة الدالة على التآمر كثيرة وكثيرة.

أما بعد:

فالعود أحمد وأعذب إلى جائزة الملك فيصل العالمية والانجازات الرائدة للفائزين والفائزات بها. وبما أني قد تحدثت في الحلقة الأولى بشيء من التفصيل عن فائزتين بها احداهما في العلوم والأخرى في الطب فإنه قد يكون من المناسب الآن الحديث عن فائزة بها في فرع الدراسات الإسلامية. ذلك أن موضوع الجائزة الذي فازت بالكتابة عنه هذه الفائزة كان: (دفاع المسلمين عن ديارهم في القرنين الخامس والسادس الهجريين) وكانت كتابتها عن غزو الفرنجة لفلسطين، أو ما سمي بالحروب الصليبية، وهذا العام عام القدس عاصمة للثقافة العربية.. القدس التي يجري تهويدها على قدم وساق على وقع تصريحات من يتضرعون إلى الإدارة الأمريكية باللغتين العربية والإنجليزية، وهي تجيب تضرعهم بلسان حال يقول:

والله ما اسمع هرجكم لو تلجّون

ما دام صهيون الحبيبة رضيّه

ثم إن الفائزة ليست مسلمة ولا عربية والمتوقع أن يكون الفائز في موضوع مثل ذلك الموضوع عربياً مسلماً. وجدير بالذكر أن الفائزة وهي البروفيسورة كارول هيلينبراند، ألقت كلمتها في حفل منحها الجائزة باللغة العربية، تقديراً لهذه اللغة التي بدأ أهلها، أو المتنفذون في مجتمعها، يقلونها، بل إنها ألقت كلمتها بالعربية، أيضاً، عندما عهد إليها التحدث نيابة عن الفائزين السابقين بالجائزة في مختلف فروعها بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على بداية منحها.

وتاريخ البروفيسورة هيلينبراند حافل بالعطاء العلمي الرفيع فهي تجيد عدة لغات، إضافة بطبيعة الحال إلى لغتها الأم التي هي الانجليزية، ذلك أنها تجيد الفرنسية واللاتينية والألمانية، كما تجيد العربية والفارسية والتركية، وكان هذا ميزة فريدة جعلها تتناول التاريخ الإسلامي من منظور أكثر شمولاً وعمقاً معتمدة على مصادر كثيرة متنوعة، وقد ألقت سلسلة من المحاضرات في أوروبا وأمريكا عن تاريخ القدس وعن الإسلام والفكر الإسلامي. وكثيراً ما كانت تلقي تلك المحاضرات باللغة التي يتكلم بها الحاضرون أو أكثريتهم. ومن تلك المحاضرات (انتشار الإسلام في أواسط آسيا) و(الخليفة أبوبكر)، (وصلاح الدين الأسطورة)، و(أمجاد بيت المقدس)، و(رأي المسلمين في القادة الصليبيين) ومن البرامج التي قدمتها عبر التليفزيون برامج عناوينها: (الإسلام دولة الإيمان) و(القدس مدينة الديانات الثلاث)، و(ماذا لو انهزم الصليبيون في حربهم الأولى؟) و(الحرب الصليبية ما زالت مستمرة).

على أن ذروة إبداع البروفيسورة هيلينبراند في مجال البحث التاريخي هي كتابها القيم الذي ترجمة عنوانه بالعربية: (الحروب الصليبية رؤى إسلامية)، ويشتمل على 648 صفحة تدعمها مئات المصادر والمراجع وأكثر من 540 صورة وشكلاً توضيحياً.

ومن الصدف الجميلة بالنسبة لكاتب هذه السطور أن البروفيسورة هيلينبراند قد أصبحت رئيسة لقسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة ادنبرا، وهو القسم الذي نال منه درجة الدكتوراة عام 1972م. وكان أحد المشرفين عليه، أو المشرف الرئيس، هو المستشرق المشهور، مونتجمري وات، مؤلف الكتب العديدة عن الإسلام، ديناً وتاريخاً وحضارة، الذي حلت محله البروفيسورة هيلينبراند في رئاسة القسم لذلك كانت فرصة للكاتب أن يقدمها عند تسلمها الجائزة بأبيات مطلعها:

هاتف من جنبات ادنبرا

تلني رجع صداه للورا

سنوات عشتها فيها مضت

وتوارت مثل أطياف الكرى

وذراً كانت لعيني مسرحاً

أين من عيني هاتيك الذرا؟

أين عمر كنت في ريعانه

بات - بعد العدو - يمشي القهقرى؟

وبعد الإشارة إلى البروفيسور وات وكتبه المتحدثة عن ظهور الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأخيار وفتوحاتهم أشرت إلى الفائزة بقولي:

وهيلينبراند مستشرقة

شهدت أنملها فيما جرى

بحثها ازدان فأوفى أحرفاً

وتسامى في رؤاه أسطرا

عن جلال القدس.. عن تاريخها

مستطاباً فاح مسكاً أذفرا

عن صناديد فدوها كي يرى

تربها الزاكي الأعز الأطهرا

قالت الصدق ولم تحفل بمن

باع في سوق التجني واشترى

وأنا الموحي بما خطت يدي

هاتف من جنبات ادنبرا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد