لو ذكر لأحد أجدادنا أن الإنسان سوف يستطيع الوصول للقمر وأنه يمكن مخاطبة الناس في أقصى بقاع الأرض من داخل المنزل باستعمال جهاز التليفون أو الإنترنت، أو أنه يمكن مشاهدة برنامج حي على الهواء ينفذ في أمريكا من خلال جهاز التلفزيون، أو أن البلاد سوف تضاء بالكهرباء..
.. أو أنك تستطيع السفر وتقطع آلاف الأميال خلال ساعات بما يسمى الطائرة.. إلخ، لعدّ ذلك من المستحيلات، وأن مَن يفكر في ذلك يعد من المجانين.
إن آلاف الاختراعات والاكتشافات العلمية الحديثة وغيرها من الأعمال الأدبية والفنية الرائعة كانت نتيجة المثابرة والطموح لكثير من الأشخاص لم يستسلموا لليأس، بل كان الكفاح والمثابرة شعاراً لهم. وقد قال كالفين لولدج: (ما من شيء في العالم يمكن أن يحل مكان المثابرة، وإن المواهب لا تحل محلها؛ فلا شيء أكثر شيوعاً من رجال ذوي مواهب غير ناجحين، والعبقرية لا تحل محلها، والتعليم لا يحل محلها؛ فالعالم حافل بالمتعلمين العجزة، إنما المثابرة والعزيمة هما القادران على كل شيء).
وفي بلادنا متعلمون كثيرون وعباقرة في مختلف التخصصات وكثير من أصحاب المواهب؛ فالمتعلم بعد التخرج يرضى ويقنع بالوظيفة فقط إن وجدت، ويظل عبداً طوال عمره للروتين. وكثير من أصحاب المواهب يفتخر بموهبته ويتباهى بها أمام الجميع ولكنه لا ينميها ويطورها. وكذلك الحال مع العباقرة، كثير من هؤلاء يحاول الإبداع ويفشل أول مرة ثم يستسلم لليأس ويفقد الأمل.
إذا كنت تحب أن تكون شاعراً أو كاتباً أو مخترعاً أو فناناً أو رساماً أو رياضياً مرموقاً... إلخ؛ فما عليك سوى أن تبدأ بداية بسيطة. فالذي يريد أن يكون شاعراً على سبيل المثال فليبدأ بالقراءة لشعراء كثيرين وكتب الشعر المختلفة، ويحاول ويثابر مرات عديدة حتى ينظم أول قصيدة. وكذلك الحال مع الكاتب والمخترع والفنان والرسام والرياضي وغيرهم.
فأي من هؤلاء لم يولد شاعراً أو كاتباً أو مخترعاً أو فناناً أو رساماً أو رياضياً مرموقاً... إلخ، وإنما بالمثابرة والعزيمة تقدر على عمل أي شيء؛ فلا تفقد الأمل وتستسلم لليأس مهما كانت الظروف المحيطة بك ومهما لاقيت من المصاعب والعراقيل.
والأمثلة على الذين لم يفقدوا الأمل ولم يستسلموا لليأس كثيرة، أمثال هنري فورد الذي كان لا شيء قبل سن الأربعين، وأينشتاين الذي وصفه بعض أساتذته بأنه كان تلميذاً غبياً.
وأكبر مثال على المثابرة والكفاح وبلوغ الهدف السيرة النبوية، وبلوغ عدد المسلمين في الوقت الحاضر إلى أكثر من بليون شخص في جميع أنحاء العالم، وفي ازدياد إن شاء الله. وفي عصرنا الحاضر قصة حياة المغفور له الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي لم يستسلم لليأس، وانتهى كفاحه ومثابرته بتوحيد المملكة العربية السعودية.
وكذلك قصص حياة وكفاح آلاف المخترعين والعباقرة والموهوبين، فهل تريد أن تكون واحداً منهم؟
فقط تذكر ما قيل سابقاً بأن أحسن سيمفونية لم تكتب بعد، وأن أفضل صورة لم تُرسم بعد، وأن أبلغ قصيدة لم تقرض بعد، وأن هناك آلاف الاختراعات لم تر النور بعد.
فلا تيأس ولا تخف؛ فليس هناك شيء اسمه المستحيل، وإنما حاول وثابر، وإذا نجحت في عمل ما فستجد أن تقديرك لنفسك سوف يزيد درجات، وأنك استمتعت بما حققت. وتحقيق الأهداف لا يأتي إلا ببذل الجهد والعرق، وأن تحقيق المطالب ليس بالتمني فقط، وأن من طلب العلا سهر الليالي.
يا عزيزي القارئ، إنك تستطيع أن تخدم البشرية وأن تنجح وتحقق الكثير؛ فحاول زيادة معلوماتك عما تحب أن تحققه؛ فهو الطريق إلى النجاح. دائماً اقرأ وفكّر واسأل ولاحظ كل شيء حولك فستندهش من التغير الذي سيحدث لك؛ لأنه لا خير في علم لا يتبعه عمل، كما أن الرحلة الطويلة تبدأ دائماً بخطوة واحدة، لا تقتنع بالعيش على هامش الحياة فكثير منكم يريد التغيير إلى الأحسن.
لذلك اجعل حياتك أكثر تنوعاً وأبعد عمقاً؛ فالتفكير والمثابرة يضاعفان دائماً فرص التقدم والنجاح.
تذكر أنه يجب أن ترى الأمل مع اليأس، وأن عالِماً ذا همة يحمي أُمّة، وأن القادر يعمل والعاجز ينظر، وأن الوقت إذا أحسنت استغلاله فهو أفضل صديق.
إحدى قصص الكفاح والمثابرة قصة كفاح إديسون، العالم الأمريكي الذائع الصيت، الذي وُلد سنة 1847م عن أبوين فقيرين، واضطر بسبب بفقره إلى أن يترك الدراسة صغيراً لطلب العيش، ولم يستسلم لليأس فانكب على الدراسة وحده، وخصوصا في فرع الكهرباء حتى بلغ فيه الغاية القصوى واكتشف آلات كثيرة ذات قيمة عظيمة، وأدخل تحسيناً كبيراً في أجهزة التلغراف، واكتشف الفوتوغراف. وهناك قصة طريفة حيث وجدته زوجته متعباً ذات يوم بسبب أنه يغرق نفسه في العمل دون رائحة، فقالت له: يستحسن أن تأخذ إجازة وتذهب إلى مكان تشعر بأنك تستريح فيه. فقام على الفور ملبياً طلبها وذهب إلى مختبره. هكذا يكون الرجال؛ فمجال الرجل في عقله وإدراكه، وأن قيمة كل امرئ فيما يحسنه.
بعد ما سبق، هل ما زلت تحب الكسل وتفضل لعب الورق طول الليل التسكع مع الأصدقاء في الشوارع؟ هل تحب أن تعيش طول عمرك نكرة، أم يشار إليك بالبنان؟ هل تريد أن تحقق لنفسك وبلدك الفخر والعزة والسمو؟ أم هل تريد أن تبدأ في رفع شأنك وتجعل بلادك تفتخر بك؟.. إذاً فكّر ماذا تريد أن تعمل، وإذا فكرت فاذهب إلى أقرب مكتبة واشتر كتاباً يتحدث عن الموضوع أو أبحث في الإنترنت. هذه هي البداية، وقد قيل إن أول الغيث قطر، وإن أول الشجرة النواة.. المهم أن تبدأ، أفهمت؟ هل وصلت الرسالة؟ المهم أن تبدأ، وأكررها مرة ثالثة.. المهم أن تبدأ. وتوكل على الله.
وتذكروا أن الاختراعات ليست اختراع أجهزة أو صواريخ فقط، وإنما الاختراع حسب مقدرتك؛ فقد تكتب قصيدة لأن أجمل قصيدة لم تقرض بعد، أو قصة، أو فكرة تطرحها للنقاش والتنفيذ، أو لوحة، أو صورة معبرة تلتقطها تبين إما مآسي البشرية أو أفراحها. انظر من حولك، فكر ماذا تحتاج البشرية، اشغل نفسك بعمل ما تحتاجه أنت على الأقل. عوّد مخك وعقلك على التفكير المنطقي السليم، ويديك على العمل الجاد.
كما تذكر أن من جدّ وجد، وأن من زرع حصد، وأن الصبر مفتاح الفرج، وابدأ بكتابة الحكم والأقوال المأثورة التي ذكرتها في هذه المقالة، وعلقها في مكان بحيث تراها دائماً.. فيا أخي القارئ اطرد الأفكار السخيفة من تفكيرك وابدأ، وفكّر، وحاول وثابر على أن تخترع شيئاً لتصبح شخصاً عظيماً يشار إليه بالبنان تفتخر به بلاده والعالم.