عندما ينظر الإنسان إلى أحوال شباب دول مجلس التعاون الخليجي يشعر بالغبطة والسرور لما قدموه ويقدمونه لشباب دول العالم من إبداعات عظيمة في جميع نواحي الحياة فشهرتهم عمت أرجاء الكون، فشباب العالم أصبح يقلدهم فيما وصلوا إليه....
|
.... من رقي وتقدم فهم أصحاب إبداع في حيل الفن والغناء والرقص والتفحيط، وهم معروفون في نوادي الشعر والأدب في كل أصقاع المعمورة فأشعارهم الخالدة يرددها كل من نطق الضاد، حتى أنهم وصفوا بأنهم فحول الشعر في القرن الواحد والعشرين، وإبداعاتهم الروائية تتسابق عليها دور النشر العالمية، وفنهم الكروي لا يعلى عليه، واكتشافاتهم العلمية تتسابق عليها دول أوروبا، وأصولهم القبلية تفتخر بها قبائل أفريقيا، وهم يسافرون بالطائرات والسيارات والعبارات لنشر ثقافة أمتهم، يعلمون شباب العالم كيف يستخدمون الجولات المذهبة ويلبسون الملابس المزركشة وكيفية الصيد والقنص على ظهور الجيوب اليابانية والجمسات الأمريكية.. أنهم يضحكون على ذلك البدوي الذي تغرب في غابر الزمان على ظهر بعيره فأين هو منهم اليوم، أنه أصبح عندهم نكتة، وشعره عندهم طلاسم ومن يردده من الناس أعاجم، قوله لا يفهم، وشعره لا يهضم، ركيك المعاني، سيئ الصياغة، تقشعر الأبدان عند سماعه، يطلبون مترجماً عند سماعهم لقوله:
|
تغرب لا مستعظماً غير نفسه |
ولا قابلاً إلا لخالقه حكما |
ولا سالكاً إلا فؤاد عجاجةٍ |
ولا واجداً إلا لمكرمة طعما |
يقولون لي: ما أنت؟ في كل بلدةٍ |
وما تبتغي؟ ما أبتغي جل أن يسمى |
ويتشهزؤون بمن ملأ الكيل في مدحه وتفخيمه، ومن يريد من شباب الخليج السير على قوله وشعره وتغريره. لقد طفح الكيل عندهم سمعوا قول الكيالي (1968م): عاش المتنبي عمره وهو يحمل في صدره عزم الشباب، نفس طموحة، وروح مغامرة، وقلب قلق وثاب، وجنون بالمجد والتعالي والعظمة، إيمان الواثق من نفسه، وما إلى ذلك من هذه الألوان التي تتلاقى ظلها في حياة العصاميين الذين يرتفعون بنفوسهم من الضعة إلى قمة المجد وذروة العلا.. هذا هو المتنبي، وهذه أظهر خصائص نفسيته، فقد نشأ نشأة الفقراء، وعاش حياة ضنكة مغمورة بألوان الشقاء، ولكن فقره لم يحل دون تفتح مواهبه، وما كان الشقاء ليحيل ذكاءه بلهاً، وتوقد ذهنه خبلاً، أو يتقعده في أرض الكوفة مغمور الاسم لا يروي صداه في الآفاق. فقد تطلع المتنبي وهو في مقتبل عمره إلى الأمجاد، ولم تصدمه الأحداث التي جابهته بل احتملها أبي النفس، قوي الإرادة، هادئ الضمير، وظل في طريقه يقتحم المصاعب، ويواجه الأهوال، يجالد ويقارع ويناضل، ويسير من بلد إلى بلد حتى همد جسمه بعد أن ترك في دنيا الأدب دوياً رن صداه حتى في آداب الأمم الحية، والمتنبي الشاعر الذي كان يتخذ المدح وسيلة للتحدث في طباع البشر، كان من ناحية أخرى، ينضح عن نزعة قومية صارخة، وهذا ما يجب أن يلتفت إليه الشباب في دراستهم شعر المتنبي، والذي كان يرتفع بنفسه وشعره عن حياة الوهن والضعف والميوعة، إلى حياة القوة والمغامرة والكفاح والنضال، وما إلى ذلك مما يطويه هذا البيت الذي يمثل نفسيته الطامحة أصدق تمثيل:
|
يقولون لي: ما أنت؟ في كل بلدة |
وما تبتغي؟ ما أبتغي جَل أن يسمى |
نقول: يقولون لنا شباب الخليج: نحن شباب الخليج، مواطننا من دبي إلى بيروت ومن القاهرة إلى طنجة، ومن بانكوك إلى برازيليا، وما بغيناه وأردناه وجدناه، رغما عن أنوف الشامتين.
|
|
الكيالي، سامي، (1982م): أبو الطيب المتنبي، حياته وشعره (عبرة الشباب) لمحة عن المنازعات القومية في شعر المتنبي. المكتبة الحديثة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.
|
|