Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/03/2009 G Issue 13330
السبت 01 ربيع الثاني 1430   العدد  13330
صون وحماية المرأة
د. فوزية البكر

 

الجوهرة المكنونة, يا لها من مقولة عذبة تاريخية (لها خصوصية هذا المجتمع) تتماهى بها غالب السعوديات في خدر لذيذ تحت سطوة البحث عن القبول الاجتماعي. فالجوهرة المكنونة لا تملك في العادة نفسها وهي لا تقرر أين تلبس ومتى تلبس؟

إن من يقرر ذلك هو من دفع الغالي والنفيس ليمتلك الجوهرة وهو لهذا يخزنها بعيداً عن العالم والبشر ويعزلها عن مجري الحياة الطبيعية.

أيتها السعودية إنك مختلفة عن كل فتيات العالم الإسلامي. هذه هي المقولة التي تم شحنها في أذهان أجيال متعاقبة حتى يمكن من خلالها تدجين هذه المرأة وتسليم قبولها لعملية التطبيع الاجتماعي بما لا يتوافق مع الطبيعة الإنسانية أحياناً وبما قد يخالف حتى أبسط القواعد الإنسانية في احترام الكائن البشري عقلاً وجسداً لبعض الحالات.

ولعل كل هذه الصور المهزوزة للعنف ضد المرأة والطفل وصور التعدي القانوني والشخصي على حقوقها (حق الحضانة، حق النفقة، إيقاع الطلاق دون علم المرأة، تعليقها، إخفاء أوراقها الرسمية، تعطيل حصولها على الأوراق بما يعطل مصالحها المالية أو المهنية إلى غير ذلك من آلاف صور التعدي التي تئن بها البيوت الصامتة وتضج بها بعض أروقة المحاكم حين تصل إليها) إنما تعبر في قبولها من قبل المرأة المدجنة نفسها والمجتمع بهيئاته المدنية والرسمية، بل الدفاع عنها وتكريسها عن أبلغ الصور الساخرة لمفاهيم الحماية والصون التي تم تجريدها من أبعادها الإنسانية وتم تكريسها لأغراض أيدلوجية ودينية.

ما يقال عن صون المرأة وحمايتها هو فعلاً حق جميل تم استغلاله بشكل غير مقبول من قبل الكثير من المؤسسات والأفراد في هذا المجتمع. من الجميل أن تكون الأسرة داعمة لكافة أفرادها رجلاً كان أو امرأة، بنتاً أم ولداً لكن ما يحدث مع المرأة في مجتمعنا هو تكبيلها ضمن شبكة الأسر الاجتماعية وإعاقة مشاركتها الحقيقة في بناء هذا المجتمع وحتى في صنع قرارات حرة لنفسها وتعليمها وعملها وزواجها بدعوى الحماية وقد تم تخدير الغالبية من النساء بهذا الطعم حتى يقبلن كل ما يلقى في وجوههن من مخلفات ويسكتن تحت دعوى المحبة والحماية تماماً مثل المبالغة في الحماية الزائدة للطفل والتي قد تفرط فيها الأم أو العائلة مما يسبب حرمان هذا الطفل من خبرات طبيعية يجب أن يمر بها، كذلك حرمانه من النمو الطبيعي بحيث يخرج معاقاً نفسياً واجتماعياً في المستقبل تماماً كما يحدث مع المرأة اليوم والتي تكبر جسمياً وعقلياً لكنها معاقة عاطفياً واجتماعياً بسبب مفهوم الحماية الذي يساء استخدامه فيكون أسراً إضافياً تتلبسه المرأة دون وعي وتبتلع طعمه لتعيش على فتات ما يلقى لها باسم الحماية!. وهي لذلك قد تضطر لقبول ظروف زواجية أو مهنية قاهرة لأنها أكثر عجزاً من الناحية النفسية والاجتماعية عن مواجهة موقف الطلاق والاستقلال بأبنائها في منزل تتحمل فيه مسؤولية اتخاذ القرارات اليومية ومجابهة الصعوبات التي تترافق عادة مع إنشاء أسرة مستقلة تدار بواسطة أحد الوالدين فقط وخاصة حين تكون امرأة في مجتمع مغرق في ذكوريته.

في محفل علمي متميز سألت إحدى الغربيات إحدى السعوديات المتعلمات عمّا إذا كانت تود أن تقود سيارتها.. وتمشياً مع منطق الخدر اللذيذ رفعت الزميلة يديها في أنفة وهي تقول: لا أظن أنني أرغب في ذلك أبداً.. أنا استمتع بالجلوس خلف السائق ومراقبة ما يحدث دون أن أكون مضطرة أن أكون جزءاً من كل هذا الصداع الذي يجري في الشارع.. معك حق، فمن يرفض أن يقوده أحدهم للعمل ومن يرفض ألا يكون مضطراً لملاحقة أنماط القيادة الجنونية التي تحفل بها شوارعنا.. لكن هل تتمتع كل امرأة بهذه الخيارات؟؟ هل تمتلك كل النساء القدرة الاجتماعية والمالية لتوفير سائق ومركبة منفصلين ودفع الرسوم الحكومية التي لا تنقطع وتحمل فكرة ترك السائق للمنزل في أي وقت والقدرة المالية التي يجب أن تتوفر لتوفير بديل فوري مكلف. هنا تكمن عظمة فكرة الاختيار وهنا تكون فكرة الاستقلال..

الأخرى تعترف: لم أتمكن من استخراج البطاقة الشخصية ومصالحي معطلة لأن أحد إخوتي لا زال يرفض الفكرة ولا استطيع تحمل فكرة القيام بشيء يرفضه! فلتستمتعي يا سيدتي إذا بفكرة التعذيب والحرمان!! إنها مازوشية جماعية تجتاح الكثيرات لممارسة الرغبة في التمتع بالحرمان والوصول للذة الشكوى والشعور المطلق بالعجز!!

فكرة الحماية التي يطرحها المجتمع لنسائه تخفي وراءها غلافاً مزدوجاً من العنف والرغبة في تملك الطرف الآخر، يحاصر المرأة ضمن حدوده فيمنعها من التحرك والتنفس ويعيق نموها الطبيعي من كافة النواحي النفسية والعقلية والمهارية والشخصية فتظهر هذه الشخصيات القلقة الفاقدة للقدرة على اتخاذ القرار أو الحركة بفعل التنميط الاجتماعي وما عليك لترى ذلك سوى مراقبة الجموع في الأسواق والمجمعات والمستشفيات حيث يقود طفل ذكر في الحادية عشرة مثلاً جيشاً من النساء خلفه يوجههن ويقرأ اللوحات بالنيابة عنهن ويأمرهن بأن ينتظرن في هذا المكان أو ذاك دون أن تشعر النساء معه والتي ربما تكون أمه أو جدته بينهن بأي غضاضة، فهذا الصبي امتداد لصورة الرجل في عقولهن كما وعينها ضمن خطوط إعادة الإنتاج الاجتماعي القائمة على قدم وساق في كل مدارس ومساجد وتلفزيونات هذا البلد والتي تؤكد عقلانية الرجل مقابل عاطفية المرأة وضعفها مقابل قوته وذكوريته الرجولية مقابل أنوثتها الخاضعة وحكمته ورشده وأهليته مقابل نقصها الطبيعي الذي يستوجب تجريدها من صفاتها الإنسانية التي جبلها الخالق عليها وتلبيسها اجتماعياً هذه الصورة المشوهة عقلياً لتتبناها كأنماط عقلية وسلوكية أفرزت لنا كل هذه الشخصيات العاجزة التي تتلذ بأن تئن من الوجع وتقف جبال التنشئة هذه عائقاً لها عن الحركة أو الفعل.

وتنعكس نتائج هذه التنشئة في كل مكان.. في المدرسة حين تذهب الفتاة إليها.. في منزلها حين تتزوج وفي عملها حين يتاح لها أن تجد عملاً ساتراً في إحدى المؤسسات الاجتماعية المقبولة مثل المؤسسات التعليمية التي تكتظ بالموظفات ومن النادر أن تجد من تتمتع بشخصية قادرة فاعلة رغم نسب الذكاء العالية وتتنازل الفتاة عن الكثير من الفرص التعليمية والمهنية لأجل من حولها ولجلّ رغبات مؤجلة في بيت يحميها حتى لو كانت جدرانه من ورق.

نعم نحب جميعاً أن نشعر بالحماية ونحب أن يشعر من حولنا بأنهم يعنون بشأننا وإننا نستطيع الاعتماد عليهم عند الحاجة ولكن يجب أن يكون ذلك في ظل شعوري بمسئوليتي تجاه نفسي وقدرتي على تحقيقي ذاتي كإنسان ثم كامرأة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد