حتى تحقق قمة الدوحة العربية المأمول منها في انتشال مسيرة العمل العربي المشترك حرصت الدوائر العربية السياسية والاقتصادية على القيام بكل ما تستطيعه ومن قبل كل الدول والمؤسسات لإنجاح هذا التوجه؛ فالدولة المضيفة هيأت الأجواء وتفاعلت مع رغبات الدول العربية التي أفهمت الدوحة بأنها ستمثل بقادتها لأهمية المواضيع التي ستعالجها القمة، ولخطورة المرحلة التي تعيشها الأمة العربية المحاصرة بكثير من المشكلات والهموم التي كادت أن تنال من الوجود العربي، بعد أن هددت الهوية العربية في العراق وفلسطين، فقد أفرز الاحتلال الأمريكي للعراق خطراً تمثل في عزل العراق عن محيطه العربي بسيطرة قوى إقليمية على مصيره بحيث أصبح الانتماء العربي تهمة استعملها الشعوبيون لإضعاف العرب في ذلك البلد مثلما يحصل في فلسطين الذي يتعرض لقضم أراضيه وإبادة أهله على يد المحتلين الإسرائيليين والذي أتاح الفرصة للقوى الإقليمية بدس أنفها من خلال القيام بأدوار تكاسل العرب عن أدائها أو أهملوا إنجازها، ضعفاً أو مللاً أو نتيجة ضغوط أجنبية لا تريد للعرب أن يتوحدوا.
هذا الاختراق الإقليمي ليس هو الهم الأوحد الذي سيواجه العرب في قمة الدوحة، فهناك أيضاً هموم الخلافات العربية التي أتاحت للقوة الأجنبية والإقليمية التدخل في الشؤون العربية الداخلية، والانشقاق الفلسطيني الذي سيؤدي في حالة استمراره إلى إلغاء القضية الفلسطينية.
معالجة الشقاق والخلافات الفلسطينية ستكون مدخلاً لدراسة القضية الفلسطينية التي تتصدر جدول أعمال القمة العربية كعادة كل المؤتمرات السابقة ولذلك فإن هذا الموضوع سيكون في مستوى أهمية معالجة الخلافات العربية والوصول إلى معالجة حقيقية لهاتين القضيتين هو المعبر الناجع لنجاح المشاركين في القمة لتحقيق طموحات وآمال العرب جميعاً ولهذا فإن القيادات العربية والدوائر السياسية يبذلون جهوداً مضنية لتحقيق مصالحة عربية حقيقة دائمة وليست وقتية، فمنذ انتفاضة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة الاقتصادية العربية التي فتحت آفاقاً رحبة لنسج مصالحة تعالج الأسباب الحقيقية لاندلاع تلك الخلافات وتفاقمها يعمل الجميع على تحقيق مصالحة حقيقة دائمة، ولهذا فإن السعي الجاد للقضاء على هذه الخلافات وتحقيق المصالحة التي يسعى إليها كل العرب، هو تتبع أسبابها وصولاً إلى أسبابها وجذورها لاقتلاعها من الواقع العربي، فنتيجة لما وصلنا إليه والآثار المدمرة التي سببتها تلك الخلافات، فإن المعالجات السابقة للخلافات التي تستند على أسلوب (عفا الله عما سلف) لم يعد مفيداً الأخذ به وتكراره، بل إن الواجب يفرض معالجة أسباب تلك الخلافات والقضاء عليها حتى لا تعود تلك الخلافات. وإن من أهم أسباب تلك الخلافات دس الغرباء من غير العرب أنوفهم في الشأن العربي.
وهذه المعالجة يجب أن تنسحب على الخلافات الفلسطينية التي لم يعد مقبولاً استمرارها في الوقت الذي يتضخم فيه أعداء العرب والفلسطينيين من رصيد القضية الفلسطينية التي تكاد تغيب تحت ركام الخلافات العربية والفلسطينية معاً.