Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/03/2009 G Issue 13326
الثلاثاء 27 ربيع الأول 1430   العدد  13326
الحبر الأخضر
نحو تنمية زراعية مستدامة
د. عثمان بن صالح العامر

 

التنمية الحقيقية في أي زمن وعلى أي أرض تنمية شاملة ومتكاملة، محورها بداية ونهاية الإنسان الذي أشد ما يكون حاجة للغذاء والكساء بعد الهواء والماء. تقوم هذه التنمية على ركائز مهمة لا يمكن أن تنفصل عن بعضها البعض، ولها ميادين عدة أولها وأقواها ارتباطاً بالأرض وأقربها للفطرة وأكثرها اتساعاً (الزراعة) التي عدّها كثير من الفقهاء من فروض الكفاية إذا قام بها البعض صارت مندوبة أو حتى مباحة في حق الباقين، وإن تركت أثم الجميع، ويتوجب على الإمام أن يجبر من يراه أهلاً لسد هذه الثغرة في البناء التنموي المتكامل على القيام بها، خاصة إذا احتيج إلى خدماته في هذا النوع من الزراعة أو ذاك وله أجر المثل، وذلك لأن مصلحة الأمة لا تتم إلا بمثل هذا الصنيع من قبل ولي الأمر، ويذهب البعض من الفقهاء إلى أن تعلُّمَ الزراعة والصناعة وغيرها فرضٌ على الأمة لحاجة الناس لذلك شأنها شأن أنواع الولايات المعروفة، ومَنْ تعلَّم من المسلمين مهنة شريفة تحتاجها الأمة وذات نفع عام لم يكن له تركها؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى) رواه مسلم، وقس على هذا الزراعة والحدادة والنجارة وغير ذلك كثير، والقارئ في السُّنة النبوية يلحظ كثر الأحاديث التي تذكُر الأجر والثواب الذي خصه الله عز وجل للمسلم حين يحرث الأرض ويزرع ويغرس، والمتمعن في سيرة السلف يلفت نظره كثرة العاملين بالفلاحة والزرع من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، وكما قال الأعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم... (لا تجد هذا إلا قرشياً أو أنصارياً فإنهم أصحاب زرع، فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك رسول الله) أخرجه البخاري، والمتابع اليوم لما يكتب ويقال في الساحة المحلية وعلى صحف الجرائد والمجلات جزماً اطلع على الجدل الواسع الذي دار وما زال يدور حول خطر التوسع في الزراعة على مستقبل المخزون المائي في الأرض، وانعكاس ذلك سلباً على مستقبل الوطن وسلامة المواطن في كثير من مناطق المملكة، ومع أن هناك عدداً من الأصوات النشاز ومع أن هناك جمعاً من القرارات ووجهات النظر المختلفة إلا أن الأبرز صوت أولئك الذين يطالبون بالمحافظة على الماء مهما كان الثمن والأثر المتوقع على ما يسمى بالأمن الغذائي فنحن مهددون بحرب قادمة هي الأخطر والأشمل ألا وهي حرب المياه، والصوت الآخر يقف على الضد فهو مع قناعته بأهمية الماء ووجوب المحافظة عليه وترشيد استخدامه على المستوى الشخصي والحكومي والخاص إلا أن هذا التخوُّف في نظره تخوف مبالغ فيه خاصة في مثل الجهة الشمالية من حائل؛ فهي ذات مخزون مائي متجدد؛ إذ يمر بهذه المنطقة تكوينات عدة، أهمها الساق، والوسيع والمنجور، ولذا لا ضير من الاستمرار في الزراعة المتنوعة والشاملة التي بها يتحقق إضافة إلى توفير كثير من متطلبات المواطن والقاطن الغذائية بشكل سليم وتحت أنظار أهل الاختصاص وبإشراف ومتابعة الملاك أصحاب الخبرة والدراية، إضافة إلى هذا البُعد المهم في حياة كل منا بُعد تنمية الصناعة القائمة على المحاصيل الزراعية المختلفة وتنشيط التجارة التسويقية التي ترتكز على الحقل الزراعي بشكل مباشر، وبهذا الصنيع تتحرك عجلة التنمية بفاعلية وشمولية أعمق. ومع أنني لست صاحب فلاحة، ولا أعرف شيئاً في الزراعة وليست لدي أبسط المعلومات الجيولوجية عن مسارب المياه وتكويناتها العميقة إلا أنني كمواطن يتابع ويقرأ ما يدور يقلقني الحديث الواسع عن هذه الإشكالية التي سبق أن نوقشت في ملتقى الخطة الزراعي الرابع (الزراعة والأمن الغذائي والاجتماعي) الذي عُقد في مثل هذه الأيام من شهر ربيع الأول العام الماضي، والمؤمل أن تتضح الصورة بالأدلة والبراهين في ملتقى الخطة الزراعي الخامس الذي ينطلق هذا اليوم برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز أمير منطقة حائل تحت شعار (من أجل تنمية زراعية مستدامة)، كما أن من المؤمل أن يخرج المشاركون في هذا الملتقى الذي أعلن ميلاده واحتضنه حتى شبّ على الطوق وبلغ سن الخامسة من عمره الشيخ علي الجميعة رجل الأعمال المعروف، أقول إن المؤمل من المجتمعين أهل الاختصاص الخروج باستراتيجية وطنية متكاملة مبنية على دراسات علمية متخصصة تحدد لكل منطقة ما تراه مناسباً لتتخصص فيه كالزيتون في الجوف والورود في تبوك و... وتنقل تجارب الدول الزراعية في ترشيد استهلاك الماء حين الزرع أو الغرس ومن ثم ترفع كل ما توصلت له إلى مقام وزير الزراعة الموقر علّها ترى النور فتكون بمثابة اللبنة الأساس في مسار التنمية الوطنية الشاملة والمتكاملة جنباً إلى جنب مع المدن الصناعية والأسواق التجارية والمرافق الخدمية.. ودمت عزيزاً يا وطني.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد