نقض العهود، وقلب ظهر المجن، ليس جديداً على الإسرائيليين، فكم من اتفاق نقضه الإسرائيليون قبل أن يجفَّ الحبر الذي حبِّرت به بنوده، وكم طرف إقليمي ودولي ظن بأن التوصل إلى اتفاق أو حتى تفاهم مع الإسرائيليين يمكن أن يبنى عليه لتوسيع ذلك الاتفاق لتحقيق تفاهم أوسع، فيجد ذلك الطرف نفسه وكأنه يحرث في البحر. فالإسرائيليون الذين لا يسعون إلا إلى اقتناص الفرص لإبرام اتفاقيات مرحلية، ويشغلون أطراف التفاوض لأهداف تكتيكية، سرعان ما يتخلون عما توصلوا إليه من اتفاقيات، وينسفون أية تفاهم مع أي طرف آخر، طالما يشعرون بأن الهدف المرحلي الذي سعوا إلى تحقيقه من خلال خطوة تكتيكية، تحمل في ثناياها التقدم للأمام مثلما تختزن نوايا التراجع.
ذاك نهج يعرفه كل من تعامل مع الإسرائيليين من أيام بن غورين إلى يومنا هذا، عهد أولمرت الذي على وشك أن يودع المسرح السياسي الإسرائيلي بالإصرار على التمسك بالمسلك الإسرائيلي المتصف بنقض العهود، والتعامل بعدم احترام وصدق مع الطرف المفاوض، وإعطاء الوسيط حقه من الاحترام بتنفيذ التعهدات التي قطعها أثناء مراحل التفاوض.
ولكن أولمرت وبدلاً من أن يصدق وينفذ ما التزم به يحرج موفده الإسرائيلي عاموس جلعاد الذي فوجئ بتخلي أولمرت عن كل الوعود التي طلب منه إبلاغها للمصريين ووضعها على مسودة الاتفاق المقترح لإبرام تهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فيكتشف المفاوض الإسرائيلي جلعاد أنه أستغل للتغرير بالمصريين. فهدف أولمرت لم يكن الوصول إلى التهدئة بمقدر ما كان هدفه توظيف المصريين لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط كثمن للوصول إلى التهدئة.. ورفع الحصار وفتح المعابر. وذلك لأن أولمرت يريد أن ينتزع انتصاراً شخصياً له يودع به حياته السياسية، بإطلاق سراح شاليط جلعاد الذي عجز عنه كل ساسة إسرائيل وجنرالاتها العديدين.
هذا المسعى لم يكن خافياً على الفلسطينيين الطرف المفاوض، ولا على المصريين الوسطاء.. فالهدف كان عقد اتفاق جديد للتهدئة يشمل فتح المعابر.. ورفع الحصار عن أهل غزة، وهو اتفاق يتبع ملفاً خاصاً.. ولا علاقة له بملف إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط جلعاد. فهذا الجندي الذي يعده الإسرائيليون جندياً مختطفاً، بينما يعتبره الفلسطينيون أسير حرب، وإذا أريد أن يفرج عنه فيجب في المقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، والمختطفين من الوزراء والنواب الذين اختطفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي.
شأنان مختلفان تماماً، إلا أن أولمرت خلطهما لتحقيق مجد شخصي له قبل أن يغادر السلطة مكللاً بالعار.. إلا أن فعلته فضحها ممثله الإسرائيلي قبل أن يلفظها الفلسطينيون ويرفضون خداع كبير الإسرائيليين الذي يريد أن يغطي على اختلاساته بخداع الفلسطينيين ويحصل على طريدة يعرف الفلسطينيون قيمتها والثمن الذي يجب أن يحصلوا عليه.. قبل أو بعد إقرار اتفاق الهدنة التي باتت مطلباً ملحاً لوقف حمام الدم الذي يريد أولمرت استمراره سلماً لغسل فضائحه.