أعود مرة أخرى إلى الحديث عن بينالي القاهرة الأخير والذي تحدثت عنه باقتضاب الاسبوع الفائت لاؤكد أن ثقافة المتلقي وسعة اطلاعه وخبراته البصرية والجمالية تلعب دوراً مهماً في تذوقه للجمال وإدراكه وقد يكون مع صاحبي بعض الحق عندما وصم المعرض بالجنون قياساً إلى خبراته وثقافته في هذا المجال فما إن دلفنا إلى الردهة الأولى من ردهات وأجنحة البينالي حتى وجدنا بعض الأثاث من سراير نوم ومكتب وكمادينه ولحاف ملفوف بطريقة معينة، وقد عرضت متدلية من سقف القاعة بطريقة متفاوتة من حيث الارتفاع والانخفاض عن مستوى الأرض بشكل متناسق وبما يشد المتلقي مع العلم بأنها عرضت على حالتها وبألوانها الطبيعية ودون أي إضافات أخرى عدا دور الفنان في عملية البناء والتركيب وعملية التوازن بين الطالع والنازل والفنان من خلال هذا الطرح ترك الأمر للمتلقي ليحاور ويناقش ويقرأ العمل بمفرده إضافة إلى تعدد الأعمال التي تنتهج مثال هذا الأسلوب في العرض والطرح والتي جاء معظمها مستعيناً ببعض أجهزة الضوء بدرجاته والصوت بدرجاته أيضاً وتوظيف هذه المعطيات التقنية بما يخدم العمل ويساهم في شد المتلقي مثل شاشات العرض والمؤثرات الصوتية وكراسي للجلوس والمتابعة وغيرها من عوامل أخرى تخلق الإثارة وتشد الانتباه.. عموماً الفن المفاهمي فن فلسفي فكري يعتمد على الفكرة والمفهوم وبالتالي فإن الفنان من خلال هذا الأسلوب من الفن ربما يتحدث عن قضية أو عدة إشكاليات فكرية أو فلسفية أو سياسية أو اجتماعية أو خلافه ومن هنا فهو يعمد إلى الاستعانة بعناصر وأشكال ربما تكون جاهزة فقط يقوم هذا الفنان بتوظيفها وإعادة صياغتها بطريقة معينة وفق فلسفة أو منظور ذاتي بل إنه ربما عرض أشكاله وعناصره على حالتها الطبيعية عدا بعض التدخلات الزمانية والمكانية والمؤثرات الأخرى المساعدة كما في الضوء والصورة وبما يخدم الفكرة ويساعد على إيضاحها إلى المتلقي وبما يفتح آفاقاً عريضة لهذا الملتقى للحوار والقراء وفق تصورات ومعطيات تختلف من شخص إلى آخر تتحكم فيها عادة ثقافة وفكر وخبرة وفلسفة المتلقي نفسه.