Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/02/2009 G Issue 13288
السبت 19 صفر 1430   العدد  13288
سحاب
صناعة الفكر المنتج
د.عبدالإله المشرف

 

لكل عصر سمته التي يُعرف بها، وهذه السمة غالباً ما تكون معيار التفاضل والتمايز بين الأمم والشعوب، بدءاً من العصر الحجري وانتهاءً بعصر الصناعة والإنتاج، ومنه إلى عصر التقنية والمعلوماتية، وها نحن نلج عصر الإبداع وصناعة الفكر والابتكار. والفكر الذي نعنيه هو الفكر المنتج القادر على توظيف الصناعة والاقتصاد والمعلوماتية في إطار متكامل لتحقيق أهداف عالمية ومحلية.

والفكر المنتج لا يحسب بكثرة الباحثين والدارسين، فقد أُتخِم العالم الحديث بحملة المؤهلات العلمية العليا، وتجاوزت أعداد الدراسات والبحوث المتاحة للباحثين في تعددها وتنوعها خيال الحالمين، ولم تعد المشكلة تكمن في البحث عن معلومة أو تحديد مصدر معرفي أو إنشاء مركز علمي، فقد اختصرت التقنية الحديثة ذلك كله، لذا فقد أدرك العالم أخيراً أن التحدي الحقيقي هو في صناعة الإنسان، وبشكل أوضح صناعة الإنسان المفكر المنتج التي تقود إلى صناعة مجتمع مفكر منتج، فأمة مفكرة منتجة، مكانها الصدارة بين الأمم.

إن صناعة الفرد المفكر المنتج ينبغي أن تبدأ منذ نعومة الأظفار، وهذا يتطلب توعية الأسرة بدورها الرئيس والحاسم في بناء الشخصية المفكرة المنتجة لدى أفرادها، ويأتي دور المدرسة المكمل للأسرة والمتكامل معها لبناء الفرد المفكر المنتج من خلال البيئة المدرسية الغنية بالخبرات المادية والمعنوية، ومن خلال طرائق التدريس التي تستحث التفكير وتستنبت الثقة والموهبة الكامنة، ومن خلال العلاقة الإنسانية التربوية بين المعلم والطالب وبين الطلاب بعضهم البعض لخلق مجتمع مصغر يصنع الفرد للمجتمع الكبير.

كيف نصنع الفكر المنتج، وكيف نبني المفكرين المنتجين؟ لا شك أن البدء المنهجي في تحقيق مثل هذه الأهداف ينبغي أن ينطلق من محاضن التربية والتعليم، فهي فقط المؤسسات المؤهلة والمتخصصة التي يجب أن تسعى بكل طاقتها إلى توجيه المجتمع؛ أفراداً ومؤسسات؛ نحو بناء الشخصية المنتجة والمجتمع المنتج.

إن تبني فلسفة بناء الشخصية المفكرة المنتجة في المؤسسة التربوية يتطلب إعادة النظر في كثير من المفاهيم والمصطلحات المتأصلة في المجتمع، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ يمكن الإشارة إلى عدد من التحولات المنهجية التي يتوقع أن تعزز من قدرة المؤسسة التربوية على بناء الفرد المفكر والمنتج ومن أبرزها:

1 - إعادة النظر في مناهج وطرائق التدريس، بحيث يجب التحول من المفهوم السائد وهو بناء المعرفة المتقدمة إلى بناء الذات المنتجة.

2 - الانتقال من أولوية توفير التجهيزات المتطورة إلى أولوية توفير الخبرات البشرية المتطورة، فالتربية أولاً وأخيراً هي علاقات إنسانية بنائية.

3 - التحول من مفهوم استيراد النظريات والنظم التربوية وتكييفها إلى مفهوم بناء النظريات والنظم التربوية وتطويرها.

4 - التحول من مفهوم أن الطالب هو محور العملية التعليمية إلى مفهوم أن المدرسة هي محور العملية التعليمية. (الانتقال من الفرد المتعلم إلى مفهوم المؤسسة المتعلمة المنتجة).

5 - الانتقال من مفهوم تهيئة الفرد للانخراط في المجتمع والتفاعل معه إلى مفهوم صناعة الفرد المطور للمجتمع والقائد له.

إن صناعة الفرد المنتج هي صناعة الأمة المنتجة، كما أن قتل الإبداع والإنتاج لدى الفرد هو قتل للأمة جميعاً، قال تعالي:{ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }(32) سورة المائدة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد