المتابع لحال العُشَّاق يحزن كثيراً، لما وصلوا إليه من الأحوال السيئة، كان بإمكانهم أن يتجنبوا الوصول إلى تلك الحالة المزرية، لكِنَّ اتِّباعَ الهوى أسقطهم في فخٍّ عميقٍ قد يصلون في نهايته إلى الموت، إن فتنة العشق تتركز غالباً في الشكل والصورة، أو انجذاب مجهول السبب، لكنه غير متقيِّدٍ بالحب لله، سواء كان المعشوقُ من الرجال أو النساء.
|
وسقوط الشاب أو الفتاة في شباك العشق، من أخطر الأمور التي يمكن أن تواجههما، فإذا ما علمنا بأن من صفات الهوى أن يهوي بصاحبه، وإذا ما استحكم في القلب سيطر على العقل والفكر، فهنا يقع الإنسان في عبودية هواه.
|
ولتعلموا يا مَن تعشقون، ما حرَّم الله، أن في ذلك فتنةً، وعذاباً في الدنيا والآخرة، فلو سألتَ النِّعَمَ ما الذي أزالكِ؟ والنِّقَمَ ما الذي أوجبك؟ والهموم والأحزان ما الذي جلبك؟ والعافية ما الذي أبعدك وجنَّبكِ؟ والستر ما الذي كشفك؟ والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك؟ والحياة ما الذي كدَّركِ؟ وشمس الإيمان ما الذي كوّرك؟ وعزة النفس ما الذي أذلَّك؟ وبالهوان بعد الإكرام بدَّلك؟ لأجابتك بلسان الحال اعتباراً -وإن لم تجب بالمقال حواراً- قائلة: هذه والله بعض جنايات العشق عليكم لو كنتم تعقلون:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (النمل: 52).
|
ولقد قال الخرائطي رحمه الله عن مبدأ الحب وأول خطواته، أنشدني بعض أصحابنا:
|
يكون مبدؤه من نظرةٍ عرضتْ |
ومزحةٍ أشعلت في القلب كاللَّهبِ |
كالنار مبدؤها من قدحةٍ فإذا |
تَضَرَّمَتْ أحرقت مستجمع الحطبِ |
وقد أمر الله -عز وجل- المؤمنين والمؤمنات بغض البصر لما فيه من سلامة الدين وسعادة الدنيا والآخرة، فقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30، 31)
|
فتدبروا جيداً يا من تعشقون أن الأمر خطير، وأنتم وحدكم الذين تستطيعون أن تخلصوا أنفسكم من العشق الذي قد يصل بكم إلى الشرك -عياذا بالله- ألم تسمعوا قول أحد العاشقين وقد سيطر عليه عشقُه لمحبوبه حتى أضحى عنده أحلى وأشهى من رحمة ربه -جل وعلا:
|
وَصْلُكَ أشهى إلى فؤادي |
من رحمة الخالقِ الجليل؟! |
لقد وصل العاشق، إلى العذاب والحسرة والشقاء، بعد أن تعلَّق قلبُه بالمعشوق، وهذه عقوبة دنيوية، فمن أحبَّ شيئاً غير الله عُذِّب به في الدنيا، وفي الآخرة يتبرأ بعضُهم من بعضٍ.
|
نصيحتي لكل من أحب غير الله، وبالغ في حبه، أن يعود إلى الرشد والصواب، وأقول: أيها العاشق كن مع الله يكن معك، وتذكَّر أن محبة الله فيها الأُنْسُ والسعادة الحقيقية فلا تُضيعها.
|
جليس الساحة |
www.j-alees.net |
|