في خضم أحداث غزة الدامية، التي أضافت للهوان العربي صفحة سوداء من الذل والخنوع والشكوى والتلفت يميناً وشمالاً للبحث عمن ينجد ويغيث، في الوقت الذي تستضيف فيه العواصم العربية (القمم) العربية لمحاولة الوصول إلى حل ينقذ غزة الغارقة ببحر شهدائها ومفجوعيها ونواح نسائها وبكاء أطفالها.
وقهر عربي وإنساني، ومقالات دبجت وأسطر امتلأت، أجد محمد جبر الحربي الشاعر حاضراً، لا يتعب ولا يخاتل ولا يرمي قارئه في شعاب المتاهات ولا يطلي كلامه بالمساحيق والألفاظ اللغوية، ولا يحاول التضليل عن رأيه الصريح بعبارات غامضة وأشكال إيهام مصطنعة.
أمام قصيدتين نشرتا في (الثقافية) بتاريخ 8 المحرم 1430هـ و22 المحرم 1430هـ، الأولى بعنوان (حديث الهدهد) والأخرى (لا إله إلا الله لأئمة غير أئمتنا الصادقين) تجد نفسك أمام قصيتين إبداعيتين تضاف لإبداعات محمد جبر، لوحتان مهما اختلف في تفسيرهما هي تلخيص لما عليه العرب ومكاشفة بواقع الإنسان العربي عبر دلالات الأبيات الواحدة بعد الأخرى، والمصحوبة برنة عاطفية محزنة لا تخفى على المتمعن وملتصقة بتجربة الذات والشعور الجماعي.
في القصيدتين معان مثيرة ربط محمد جبر بينهما وبين عمق الجرح العربي عبر صور واضحة ومعبرة، ففي قصيدة (حديث الهدهد) يقول:
سأخبرك الآن عن قصتي فأروها:
أخبر الناس
أخبر سليمان، أنا
تقطعت الأرض من حولنا.
ومادت بنا السفن الغاديات
وما أثمرت سحبنا بالرواح
وما كان فينا يهود
لكي تتشابه أبقار تلك القرى
ما اعتدينا بسبب
لكي نتمزق في التيه
سبحانه
كيف ضاعت بلاد تعبنا على فتح أسوارها
كيف صرنا أسارى
وفي قصيدة (لا إله إلا الله لأئمة غير أئمتنا الصادقين) يقول:
على باب غزة أرواحنا
ومن قبل بغدادنا
وكانت على الدوم مفتوحة لقلوب تود الشهادة الصادقين
وقوفاً على الحق والحبل كنا
ومنا الثبات
وقد كان منا رجاء بكم
ونشهد.. هل تشهدون بأن لا إله سواه؟!
ولا يغلب الكافرين على الذل إلا سناه؟!
لماذا إذاً ختم العهد.
حتى ارتجيتم جواباً على غير ملتكم.
أقف، ولا أملك أمام هذا الإبداع الذي يترجم فقدان الأرض والكرامة والعزة بحس الشاعر الإنسان إلا تحية محمد جبر الحربي.