- 1-
هل وقف العدوان على غزة نهاية للحرب الإسرائيلية المستدامة بالمنطقة؟؟
الحمد لله على وقف العدوان على غزة. لابد أن كلاً منّا قد تنفس الصعداء لوضع حد لتلك المذبحة الإنسانية المريعة التي ارتكبت فيها إسرائيل أمام عيون العالم كله من أقصاه إلى أدناه بقاراته الست ما لم ترتكبه أقوى قوى الشر البربرية والفاشية
طوال التاريخ البشري لأبشع الحروب. باقتراف كيان الاستعمار الاستيطاني الصهيوني أقسى أنواع القتل العمد للأطفال وللمدنيين نساء ورجالا على مدى عشرين يوما بليالها ونهاراتها ودقائقها وثوانيها مع شن أعتى أشكال التشويه الدائم عن سابق عمد وإصرار لكل عرق من عروق الحياة على أرض غزة الصامدة في الحصار, من تقطيع الأطراف وفقأ العيون إلى طمس الملامح وتذويب العظام بتلك المواد الحربية المحرمة المحتوية على مركبات نووية والتي تؤدي إلى سرطنة فورية لخلايا ضحاياها ليموت من لم يمت فوريا موتا مؤجلا في غضون بضعة أشهر. كما أكدت ذلك التقارير العلمية لعدد من الأطباء الغربيين الذين اطلعوا على حالات جرحى غزة ممن فاق عددهم الأربعة آلاف جريح. وربما ذلك يجيب جزئيا على سؤال عدم التصريح لكثير من الدول المستعدة لاستقبال جرحى غزة رغم أن الكثير أراد المشاركة الإنسانية في رفع أهوال هذه الحرب عن أهلها المحاصرين ولو بالمداواة.
على أن السؤال البديهي والملح والخطير في هذه اللحظة الفادحة هو: هل يعني وقف العدوان الوحشي على غزة أن سلسلة الحروب الإسرائيلية المتلاحقة في المنطقة قد انتهت؟ هذا السؤال يجب أن يظل يرن في قاع الذاكرة كجرس إنذار يذكرنا بالتاريخ الاستعماري الدموي في المنطقة من تمزيق الخارطة العربية بسايكس بيكو إلى تمزيق العراق بالاحتلال الأمريكي وما بينهما وما بعدهما إلى الحرب الصهيونية المتواصلة على مدى ستين عاما بما لا يصح أن نسميها إلا ب(الحرب الإسرائيلية المستدامة في المنطقة). إننا نرى أن طرح هذا السؤال ولم تجف بعد دماء أحرار غزة وفي هذه المرحلة التي قد لا يراها البعض إلا مرحلة للملمة الجراح والتستر على ما خلفته من إحراج سياسي أمر في رأينا هام جدا لنضعه نصب أعيننا ونفكر به بصوت مشترك، وذلك لئلا لنستسلم لمزيد من اليأس أو نسلم بمصير الموات أو في أحسن الأحوال نضع أيدينا على خدودنا في انتظار مفاجأة عدوان جديد.
إذ لابد ونحن لا نزال نعيش حقيقة العدوان العارية أن نعيد النظر إن كان لا يزال فينا قدرة على التفكر والإبصار في الاحتمالات الممكنة لخيارات غير خيار الرضى بواقع الانكسار والتسويات خاصة وقد كشفت الحرب على غزة عن ذلك المخزون الوطني الهائل المقموع أو المهمل من الاستعداد الشعبي على امتداد الوطن العربي على للمشاركة بالغالي من الدماء والأرواح.
ومع الاعتذار لأجيال الشباب العربي لأنني بما سأقول أرمي الكرة في ملعبهم بعد أن رأينا خلال الحرب على غزة انتهاء صلاحية المحاربين والقاعدين القدامى معا باختلاف مرجعياتهم السياسية فإنه لا بد من المصارحة بأن التجربة على مدى الأربعين عاما التي ظننا أننا ودعنا فيها المد الاستعماري بأشكاله التقليدية العسكرية والسياسية قد برهنت أنه كلما صدقنا أن ذلك الاستعمار قد طوى أشرعته وانطوت صفحة سطوته على المنطقة في سجلات الماضي أطل برأسه من جديد يمسح يديه من دماءنا في أكفاننا أحياء دون أن يكون لدينا من القوة المعرفية أو الإرادة السياسية أو الاستعداد العسكري أو القاعدة الاقتصادية أو مشاركة القوى الاجتماعية ما يكفي لجعله يكف عنا ويتركنا لشأننا.
كما أن التجربة أثبتت بالأدلة القاطعة على مدى ما يقارب عشرين عاما منذ قبل النظام العربي الرسمي ومنظمة التحرير الفلسطينية بتجريب منطق التسويات في المنطقة بأن من المستحيل على الذئب أن يعطف على الحملان مهما تحلت تلك المخلوقات الأليفة الخلوقة بصمت الحملان. إلا إذا كان هناك من يعتبر حرب إسرائيل على لبنان تموز 2006 وحربها القذرة الابادية على غزة 2008 - 2009 وما مهد لها من حصار وتجويع وتقتيل مع استخفافها بالمبادرة العربية مجرد (بروفة) أو (بالون) اختبار على نوع السلام الإسرائيلي الذي تريده دولة الاستعمار الصهيوني الاستيطاني من جانب العرب وحدهم فيما يجري القبول به طوعا أو فرضه كرها فالأمر سيان وكأن لا مفر ولا بديل سوى بديل التسويات بأثمانها الفادحة من الحروب والانقياد الذليل لسلطة إسرائيل المطلقة على المنطقة.
- 2 -
لا للرضاوي على المواقف أثناء إبادة غزة
الحمد لله على وقف العدوان على غزة. وإن كنت لن أتوقف عند تلك الصيغة السينمائية البلهاء التي جرى بها رفع كلمة (النهاية) بوجه الإعلام وكأن شعوب الأرض كانت ميتة أو نياما ولم تكن شاهدا لحظة بلحظة على تلك التراجديا الإنسانية الفظيعة, وذلك في محاولة سياسية فجة ومكشوفة لاختطاف المقاومة والصمود النادرين لأهل غزة في وجه تلك الآلة الحربية الإسرائيلية التي حاولت أن تنصب من أرض غزة محرقة نازية جماعية تقصل فيها الأطفال والمدنيين من النساء والرجال أحياء, فإننا لن ننجو أفرادا وجماعات سواء كنا قيادات أو مجرد قطيع افتراضي للقيادات أو كتاب ليس لرأيهم وزنا أو وزن زائد في الحمولات, لن ننجو من إثم الدماء الطاهرة إذا لم نقل لا للرضاوي. لا لمحاولة الاسترضاء فيما أستبيح من طفولة أبناء غزة وبناتها وفيما دمر من بيوتها وفيما أحرق من زرعها وفيما سمم من ضرعها وفيما شرد من أسرها، وفيما لوحق وقتل من شبابها وفيما أطلق عليه الرصاص الحي من أملها في السلام وفيما خنقه دخان الصواريخ من أحلام صباياها وفيما مزقه الجنود الإسرائيليين بأنيابهم من صور الأعراس وفيما مزقوه بأظلافهم من دفاتر وكتب التلاميذ وفيما بصقوا عليه علنا من وجوهنا وأقنعتنا معا. لن يغسل دماء أهل غزة من الأعناق حفنة مليارات من اليورو أو الدولارات وإن بلغت مال قارون. ولن يعفو الله عما سلف من مواقف متفرجة أو مترددة أو مرتبكة ومشدوهة على افتراض حسن النية أمام ما كان يجري من دمار منظم ومخطط على مدى عشرين يوما. إن تبرعات إعادة الإعمار لن تجدي نفعا إلا بإراحة ضمائر أصحابها ربما, ما لم يقترن ذلك بضمانات لا تعيد تكرار مشهد الحرب بنفس شخوص القاتل والمتفرج مع تبدل الضحية بضحايا جدد. وما لم يرفع الحصار ويعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية برمتها كقضية تحرر وطني.
إن عدم العمل على المطالبة بمعاقبة قانونية على جريمة الحرب الإسرائيلية وعدم الوقوف مع الحق المشروع في مقاومة العدوان لن يؤدي لأكثر من زيادة طمع العدو فينا وبالتالي فإننا لن نكون قد فعلنا أكثر من إعطاء دعوة مؤجلة لمعاودة العدوان في حرب إسرائيل المستدامة على المنطقة ما لم نغير ما بأنفسنا لنفر من قدر الموات إلى قدر الحياة. فهل يحدث ذلك في جيلنا أو ليس للحق مادمنا لا نعمل له أن يُحق إلا في حياة أجيال سوانا.
- 3-
نقطة أخيرة ليست خارج النص تماما
قبل أن تختتم القمة العربية الاقتصادية التي رصدت وقتا نفيسا من وقتها المزدحم بالأزمة المالية العالمية وتأثيراتها الطاحنة على المواطنين المساكين، وذلك في محاولة سخية لمواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة, فإنني أود أن أقدم توصية جادة مستمدة من أعماق واقع الحال وتعتمل في نفوس المجتمع العربي فرادى وزرافات. وملخصها أنه على المؤتمرين أن يعيدوا النظر جديا وجذريا في تلك الميزانيات العريضة الضخمة المقتطعة من خبز الفقراء وعلاجهم وتعليم أطفالهم في كثير من الدول العربية التي تذهب لصالح التسليح المكلف للجيوش العربية. فخفض ميزانية التسلح الطائل التي تصرف دونما طائل يمكن أن يوفر هدرا كبيرا في المال العام مادام ليس هناك عمل حقيقي لتجميع تلك الأسلحة سوى الضخ في ميزانية المصانع الحربية الغربية والأمريكية وسواها وتنشيط خبراتهم في اختراع أسلحة جديدة, لا تلبث أن تصدأ في مخازننا بينما يُهدى الفعّال منها لتقتل به شعوبنا كلما شعر العدو بالسأم من إلحاحنا على السلام ليفصل لنا سلاما على مقاس قبورنا. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
Fowziyah@maktoob.com