عجيب أثر تلك الكلمة ذات المفعول السحري التي افتقدناها في حياتنا، وغابت عنّا ولم نلقِ لها بالاً، مع قدرتها على عمل المستحيل، وإنجاز الكثير في وقت يسير، إنها كلمة الحُبّ وما تحمل من معانٍ سامية، والتي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز،..
|
ووردت على لسان سيد الخلق أجمعين - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن في ذلك عيب أو محظور، فسبحانه وتعالى أحَبّ المحسنين، والمتقين، والمقسطين، والصابرين، والمتوكلين عليه، والمجاهدين في سبيله، والتوّابين المتطهرين وأخبرهم بحبه لهم، كما أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أحَبّ وأخبر بذلك، بل أمر من أحَبّ شخصاً أن يخبره بحبه، ولهذا أجمع كل الناس صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، فقيرهم وغنيّهم على عشقها، والتلذذ بسماعها، والارتياح لقائلها، ففيها الفرح والسرور، والسلام والأمان، والمودة والإحسان، والشفقة والرحمة، والرقة والنعومة قال الشاعر:
|
الحُبُّ رُوحُ الكونِ لولاهُ لما |
عاشتْ به الأحياءُ بضعَ ثوانِ |
الحُبُّ ينبوعُ الحياةِ تفجَّرتْ |
من راحتيْهِ سعادَةُ الأكوانِ |
فالحُب ذلك الجوهر الرصين، والسر العجيب المملوك لله عز وجل والمتصرف فيه يهبه لمن يشاء ويحرمه عن من يشاء، فليس للإنسان قدرة على التحكم فيه، أو غرسه في قلبه، أو في قلوب الآخرين، يقول الشاعر:
|
وما الحُب من حسن ولا سماحة |
ولكنه شيء به النفس تكلف |
ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) يعني به الحُب بين أزواجه، فالحُب الذي هو: ميل القلب وتعلقه بالمحبوب، والرغبة الملحة الناتجة من الأعماق للاجتماع به، والقرب منه، والاستئناس به، والتأثّر والحزن على فراقه، والبعد عنه، له آثار عظيمة في تسيير الحياة بشكل مليء بالمودة، والعيش في سعادة بعيداً عن المنغصات والمكدرات، إنه الحب الذي يحل كثيراً من المشاكل الأسرية، وليس كما يعتقد بعضهم بأنه لذة عابرة وشهوة زائلة، بل هو حاجة أساسية، وضرورة ملحة لاستقرار النفس البشرية واتزانها، وله آثار عظيمة في التربية وسلامتها، فمن أعظم آثاره الظاهرة الرحمة على المحبوب، فمن لا يرحم لا يعرف الحُب.. ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الخلائق فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَىَ وَلَدِهَا.. وَالْوَحْشُ وَالطّيْرُ بَعْضُهَا عَلَىَ بَعْضٍ، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة) إن الحُب الذي نبحث عنه، ونسعى لغرسه ونشره بين كافة طبقات المجتمع، ونجعله ديدننا في حياتنا ومعاملاتنا هو: الحب غير المشروط الذي لا ننتظر له مقابلاً، إنه الحب الممدوح ذو الأثر الطيب في النفوس لأنه نابع من محبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ومحبة كل عمل يقرب إليهما، كمحبة الزوجة والولد والأعمال الصالحة، وليس ذلك الحب المذموم المصطنع المبني على المصالح الخاصة والمحرمة، والذي يؤدي إلى ارتكاب الفواحش والمحرمات، ولله در القائل: تربيتنا بحاجة إلى تفعيل لغة الحب.
|
|