Al Jazirah NewsPaper Monday  12/01/2009 G Issue 13255
الأثنين 15 محرم 1430   العدد  13255
أما بعد
أقلام التدخل السريع
عبدالله بن عبدالعزيز المعيلي

 

جرت العادة أن الشدائد والنوازل والنوائب، تؤلِّف القلوب، تنسيها الضغائن والأحقاد، تصفّي النفوس، توحّد الكلمة والتوجه، فإذا بالمختلفين والمتدابرين والمتناحرين، يقفون صفاً واحداً، في خندق واحد، يتجاوزون مواقفهم السابقة، وينسونها.....

..... مهما كانت درجة اختلافهم وتدابرهم وتناحرهم، وهذه من الشمائل الكريمة التي لا يقدر عليها ولا يقوى، إلا كرام الرجال، والأحرار النبلاء، والشواهد على هذا معروفة معلومة، وليس هذا مقام التذكير بها.

وليس بمستغرب، أن يخرج على هذه المسلمة خارج، يغرد خارج السرب، بصوت غريب ناشز، يزعج السامعين ويؤذي مشاعرهم، لأنه مهما كانت مسوغات هذا المغرد الناشز الخارج عن سربه، تبقى مواقفه غير مفهومة وغير مقبولة، سوى من كون لسان حاله ومقاله يوحيان بأنه كما المسلوب الحرية والخيار.

فعندما صوّب الحذاء في وجه (بوش) تعبيراً عن الكراهية له، والرفض لعدوانه وبغيه، تدخلت الأقلام التي نشزت مسرعة مهرولة للدفاع عن (بوش)، وتعالت الأصوات التي تغرد خارج السرب، تستنكر الفعلة وتستخف بها، وتهوّن من وقعها وقيمتها المعنوية، وكانت هذه الأصوات شديدة الحماسة ل(بوش) والدفاع عنه، متجاهلة مسئوليته التاريخية عن ما يتعرّض له أهل العراق وفلسطين وأفغانستان، فهو من صنع مسوغات الحرب في العراق، وأصر عليها في لبنان وغزة، ودمر الممتلكات، وهدر الكرامات، وتفهمت كبريات الصحف الأمريكية والغربية الفعلة، وفهمت الرسالة التي عبَّرت عنها حادثة رمي الحذاء في وجه (بوش)، لكن عقول أصحاب أقلام التدخل السريع تأبى إلا أن ترى البصائر حولاً.

وها هي أقلام التدخل السريع، تهرول مسرعة كعادتها تسيل مدادها الأسود طعناً وتشكيكاً، وتتعالى بأصواتها الخارجة عن إجماع الأمة تلوم (حماس)، وتحمّلها مسؤولية ما تتعرّض له (غزة) من هجمة بربرية صهيونية حاقدة، مدفوعة معزّزة بمواقف (بوش) وأعوانه.

وعلى الرغم من أن المسلم مطالب بإحسان الظن في غيره، وذلك بأن يحمل المواقف ويفسرها وفق منظور إيجابي حسن، إلا أن الحليم الفطن العاقل، يدرك أن التحليلات التي تحمّل (حماس) مسؤولية ما يحصل في (غزة) والتي سطرتها بعض (أقلام التدخل السريع (ليست موفّقة لا في مضمونها ولا في توقيتها، لهذا احتار العقل في فهم الغرض الذي تنشده هذه الأقلام، لأنه لم يتبيّن له تفسيراً منطقياً لمضامين ما طرحته هذه الأقلام، ولا لتشخيصها للأحداث الساخنة الموجعة التي تمر بها الأمة الآن، ومما عزَّز حيرة المتابع لما تكتبه هذه الأقلام أنه ترتب على هذه الكتابات فرقة وتشتت، إثارة وغضب، وتشكيك ولي للحقائق، ولعلكم تابعتم الأقلام التي تحث الصهاينة وتشجعهم على اجتثاث حماس، والإمعان فيها قتلاً وتشريداً، أي منطق هذا، وأي عقل يقبل بهذا ويسوغه، لكنها سنَّة الله في خلقه.

أين (أقلام التدخل السريع) من مجازر (بوش) التي تجاوزت المليون في العراق، أين هذه الأقلام من مجازر أفغانستان، لكن يبدو أن عقولهم لم تعد تدرك الحقائق، وأن عيونهم لم تعد ترى البصائر.

نسأل الله أن يتغمد شهداء (غزة) برحمته، وأن يشفي الجرحى، ويرد كيد الصهاينة في نحورهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد