تحتاج كتابة التاريخ إلى تأن ودقة شديدين، كما تحتاج إلى مسح للمصادر وتتبع لكل ما له علاقة بالموضوع المدروس من قريب أو بعيد، والسير على هذا المنهج هو الأساس في إخراج عمل علمي متقن ومحايد يقدّم الموضوع المدروس كما يفترض أن يكون عليه وليس كما يريده الباحث.
المنهج الذي أشير إليه يخرج أعمالاً كثيرة متداولة من دائرة كتابة التاريخ وفقاً للرؤية العلمية المعاصرة ويبعدها عن دائرة المراد من التاريخ وهو سرد الأحداث وتحليلها وتدقيقها ومقارنتها.
لقد طرأت هذه الفكرة على ذهني وأنا أتتبع أخباراً صغيرة في زوايا مجهولة داخل صحف قديمة تمثِّل في مجموعها كنزاً معرفياً لم تصل إليه الأيدي إلى اليوم، لأننا اعتدنا أن تكون مصادرنا هي تلك التي تمتد أيدينا إليها مباشرة ولا نتعب في البحث والتنقيب عنها، وهو ما فوَّت فرصة التوثيق والشمولية على أعمال منشورة كثيرة.
الأخبار الصغيرة والتي قد يكون بعضها مجرد إعلان أو توضيح هي نوافذ لحقائق أغمضت الأعين عنها رغم أهميتها الكبيرة، وفوائدها الجليلة.
إن متابعة الصحف والجرائد القديمة تكشف الكثير عن مسار الحياة في البلد الذي تصدر عنه، الأدب وتطوره وأعلامه وموضوعاته، التقلّبات الاجتماعية والتطور الذي شهده المجتمع عبر الزمن الذي صدرت فيه الجريدة أو الصحيفة، الوضع الاقتصادي، العلاقات السياسية، مدى الاختلاف بين الماضي والحاضر.
كل ذلك قد نجده في الصحيفة أو مجموعة الصحف التي يفترض أن نركِّز على ما فيها من معلومات تخص موضوع دراستنا التاريخية.
ومما سبق أجد أن الصحف المحلية تحتاج إلى أن تكون معدة للاستخدام بفهرسة محتوياتها على أن تكون الفهرسة شمولية وليست انتقائية، وأن تتاح مادتها منظّمة وفق موضوعاتها على أقراص ليسهل استخدامها وخصوصاً في وقتنا الراهن الذي نعاني فيه من ضيق الوقت لزحمة الحياة وكثرة المطالب اليومية للإنسان العامل، والمؤرِّخ أو الباحث عموماً من بينهم.