تعيد لي جريدة الجزيرة أحيانا المقال بعدم إمكانية النشر وحسب الاتفاق الضمني مع هذه الصحيفة العريقة وحارسها الأمين (أبو بشار) أ. خالد المالك بدون وجود عقد مكتوب أو شروط معلنة فإن المقال في العادة يجب أن يكون خاليا من المحظورات التي والحمد لله قل منسوبها في الحبر منذ ما يقارب خمس سنوات تيمنا بطروحات الإصلاح ومنها رفع سقف الصحف ليتحمل قليلا بعض حرارة القضايا والإشكالات الاجتماعية الساخنة. وهذا ما يجعلني أسأل هنا: ما قيمة كتابة لا تجرؤ على تعليق جرس الخطر أو تستسلم للمعطى أو للجهل فتتخاذل أو تخجل من طرح سؤال قد يكون عالقا في الحلق كشوكة تسد الهواء؟.
والخشية من سد مجرى الأسئلة في الحلوق أو في العقول أنه قد يدفع للبحث عن وسائل قد لا تكون مشروعة بقدر مشروعية السؤال لتوسيع مجرى الهواء بما أن الكائن الحي لا يستطيع أن يعيش بدون تنفس.
لذا فنحن وهذه مجرد جملة اعتراضية أو استطراد بحاجة إلى (ثقاف الأسئلة) كبديل لثقافة (التطنيش) و(ثقافة التستر على الجراح) أو ثقافة (الشائعات).
إذ مثلما نحن بحاجة إلى (ثقافة الحقوق) التي نادي بإدخالها مؤخراً خادم الحرمين الشريفين إلى مناهج المدارس والجامعات فإننا بحاجة إلى ثقافة (الصراحة) بدل ثقافة المواربة كما أننا بحاجة إلى ثقافة الأخذ والعطاء بدل ثقافة (الاستعطاء).
إن (ثقافة المصارحة) في الهواء الطلق والمفاتحة في العلن والحديث بصوت مشترك على رؤوس الأشهاد هي البديل الموضوعي لثقافة (النميمية السياسية) ولتحول دون التحول إلى ثقافة (الأقبية والظلام) مع الاعتذار لكلمة ثقافة من ربطها في عدد من المواقع ببعض الأنماط الفكرية والسلوكية السلبية كما أشار دكتور إبراهيم التركي في أحد مقالاته قبل عدة أسابيع.
على أني أعود للجملة التي بدأت بها فقد أفلح في هذا المقال فيما فشلت به في المقال الذي حظر نشره لأطرح الأسئلة بصورة أكثر تحفظا مع محاولة لا أعد أن تكون مجدية بحفظ روح المصارحة في السؤال.. وحيث إن ليس لدي القدرة على الاتصال للسؤال بوزير أو رئيس جامعة أو مدير بنك أو رئيس مجلس إدارة أو عضو في مجلس الشورى لأن معظمهم بإفادة حجابهم في اجتماعات لا تنتهي تشغلهم -بالذات- عن الرد على استفسار أي من العامة أو (العوام) خاصة لو كانوا من الكتاب المشاع عنهم الإزعاج (بما يجعلني أغبط داود الشريان أو جهاد الخازن حين يكتبان حيث يشير الثاني في معظم مقالاته أن أحد مصادر معلومات كتابته بجانب المراجع الورقية والإلكترونية هو اتصالاته الهاتفية بل ووجها لوجه بالمسؤولين من وزراء خارجية وإعلام وبرلمانيين بل رؤساء) فإن ذلك لا يترك لي عذرا إلا وسقته بأني اضطرارا لا بطولة أثير بعض الأسئلة في بعض المقالات مثل سؤال: لماذا لا تمنع الوساطة منعا قاطعا لا مجاملة فيه لإنسان على حساب إنسان في مجال الخدمات الصحية؟ أو سؤال: لماذا لا يضم مجلس الشورى تمثيلا مجزيا للمواطنات؟ أو سؤال: لماذا لا توجد خدمات إسعافية على الطرقات المريعة بين مراكز المدن والمناطق النائية؟ أو سؤال: لماذا رخصت أسعار السيارات في الخارج بينما ترتفع أسعارها لدينا وكالات السيارات؟ وما تقدم ما هو إلا ديباجة طويلة على حساب حجم المقال لطرح سؤال صغير يحيرني وهو أنه: إذا كان يقال بأن هناك مربعا محكما هو عادة ما يمنع فيه الكلام بالعالم العربي وذلك يتمثل في الدين والسياسة والجنس والمشاكل الاجتماعية فما الذي يتبقى إذن للصحافة والكتاب؟!
لقد بددت مساحة المقال في تبرير حاجة الكاتب والقارئ لطرح الأسئلة التي تهمه في الشأن العام دون أن أطرح السؤال. فهل في هذه التورية الكثيفة ما يسمح بمرور المقال مع ترك الحرية للقارئ والكاتب معا في البحث عن الكلمات المتقاطعة والمقتطعة لإعادة تركيب السؤال. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
Fowziyah@maktoob.com