Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/12/2008 G Issue 13232
السبت 22 ذو الحجة 1429   العدد  13232
مواطنات غير وطنيات
د. فوزية البكر

ما هي المواطنة وكيف تظهر وما هي العوامل التي تساعد على تأصيلها وجدانا وسلوكا.. كلها أسئلة تطرح باستمرار وتستخدم الدول عادة الكثير من الوسائل التعليمية والتثقيفية والإعلامية لتأكيد المشاعر الوطنية في نفوس مواطنيها.

وقد ظهر اهتمام الدولة ورغبتها في تأصيل هذه المشاعر الوطنية .

منذ نشأتها واستخدمت لذلك وسائل عديدة وعلى رأسها المناهج الدراسية لذا كان لمادة التربية الوطنية السبق لتكون أحد المواد الهامة التي عنيت الدولة بإدخالها ضمن نظامها التربوي منذ نشأة التعليم وكان ذلك في العام 1348هـ تحت مسمى الأخلاق والتربية الوطنية واستمر تدريسها حتى عام 1355هـ حيث اختفت في ذلك العام لشعور المخططين التربويين آنذاك بعدم جدواها وتم تخصيص الساعات المخصصة لها للمواد الدينية وظل الأمر ذلك حتى عام 1405هـ حين عادت هذه المادة مرة أخرى ليدرسها كافة الطلاب من جميع التخصصات بواقع ساعتين في الأسبوع لمدة فصل دراسي واحد لكن هذا لم يستمر طويلا فألغيت المادة منذ عام 1411هـ وحتى عام 1417هـ حيث عاد مقرر التربية الوطنية ليدرس كمادة مستقلة لكافة مراحل التعليم العام بدءا من الصف الرابع الابتدائي وحتى الثالث ثانوي، وحين نقول لكافة الطلاب في كافة المراحل الدراسية فنحن تحديدا نقصد الطلاب الذكور على وجه التحديد.

إن من المذهل أن نجد أن الطالبة الأنثى ظلت مغيبة في معادلة مادة التربية الوطنية وحتى هذه اللحظة!!!

وهنا علينا أن نمزق الحجب ونحن نعرف أن الكثير منكم قد لا يعرف أن مادة التربية الوطنية التي تقدم للطلاب الذكور في المدارس السعودية منذ السنة الرابعة الابتدائية لا تدرس للفتيات! وكأن حالها هو حال موضوع التربية البدنية الشائك أو الأنشطة اللامنهجية أو الرحلات الميدانية التي لايتاح لمدارس البنات تطبيقها بسبب كونهن إناثا لا غير!!

ولا يمكن في الحقيقة تفسير غياب مادة التربية الوطنية بالذات عن تعليم البنات.. إلا إذا كانت (الرئاسة العامة لتعليم البنات) والتي أقرت هذا التقليد واستمرأته وزارة التربية والتعليم بعد انتقال صلاحية تعليم المرأة إليها عام 2004م) تحسن الظن في الفتيات السعوديات فلا تحتاج إلى تعريفهن بالمفاهيم الوطنية العامة المقدمة للبنين والذين كما تفترض وزارة التربية سينقلونه شفاهة أو ضمنا للأطراف النسائية في عائلاتهم متى كبروا بحيث لا نحتاج إلى شغل أذهان البنات بمفاهيم يرى واضعو هذا التنظيم فيما يبدو أنها (رجالية) تحديدا!

طبعا أنا أناقش هنا من حيث المبدأ أي فكرة تدريس مادة مهمةكمادة التربية الوطنية وقصر ذلك على العنصر الذكوري في مجتمع ينضح بذكوريته المفرطة لكنني لا أناقش المواضيع التي تغلب عليها الإقليمية والمعلوماتية التي تقدم في هذه المادة ولا طرق العرض المنفرة والتلقينية التي يستخدمها المعلمون في تدريس هذه المادة المهمة حتى تحقق فعلا (تسفيه) وعدم عناية الطلاب بها فهذا موضوع مؤلم في حد ذاته ويستحق العرض والتشريح ولعلي أدلكم على دراسة قيمة للدكتور راشد العبدالكريم الأستاذ في قسم المناهج بجامعة الملك سعود حول التربية الوطنية التي قارن فيها مناهج التربية الوطنية المقدمة لطلابنا في السنوات الثلاث من المرحلة المتوسطة بما يقدم لطلاب نفس السنوات في نفس المادة في بريطانيا والطرق والتدريبات التي يستخدمها المعلمون في كل بلد، وكم كانت النتائج مذهلة ففي حين يتعلم طلابهم مواضيع من مثل هويتنا والهويات الوطنية والدينية والثقافية والعرقية المختلفة وأنواع النزاع ومستوياته، حل النزاع، نظرة الأديان للنزاع وحل النزاع، ويتم تقديم مفاهيم مثل الديمقراطية والتاريخ والسلام العالمي يتخبط تلاميذنا ومعلموهم في شباك الإقليمية والانغلاق على الذات المحلية من موضوعات مجردة تم اختيارها في مواد التربية الوطنية ويتم عرضها والتدريب عليها بطرق مملة يغلب عليها جانب المعلومة وليس التطبيق والفهم من مثل الإنتاج الوطني ، مكانة المملكة في العالم الإسلامي وخصائص المجتمع السعودي وطاعة ولي الأمر.

كل هذه النقاشات والمرأة خارج هذا الإطار تماما وكأن دارسة الأنثى لا تحتاج إلى فكرة تأصيل المفاهيم الوطنية عبر المناهج الدراسية. لا ريب أن الكثير من الإرهابيين يغشون منازلنا واستراحاتنا فالأم هي خير حاضنة ومربية وأنا أقطع بأن الفكر الإرهابي الذي قد لا تدرك المرأة الأم أنها تحمل جذور تطرفه فهي الأكثر تعصبا والأكثر انغلاقا والأكثر قلقا وهو ما تنقله كحليبها إلى رضيعها، ولذا كان من الضروري العمل على تأصيل المفاهيم الوطنية في نفوس المواطنات من الإناث قبل الذكور فالمواطنة أساسية وهي كما يورد د.العبدالكريم في تعريفها المأخوذ من الموسوعة العالمية للتربية الوطنية إنما تعني يجعل الفرد يتفاعل مع أعضاء مجتمعه على المستويين المحلي والوطني. ومن أهدافها الظاهرة الولاء للأمة والتعرف على تأريخ ونظام المؤسسات السياسية، ووجود الاتجاه الإيجابي نحو السلطات السياسية والانصياع للأنظمة والأعراف الاجتماعية، والإيمان بقيم المجتمع الأساسية واكتساب مفاهيم المواطنة العالمية.

إن مظاهر ضعف مشاعر المواطنة التي تحيط بنا أكثر من أن تحصى، فالولاء للمنطقة والقبيلة والعائلة مازال محددا رئيسيا للانتماء بدل الالتفاف حول مفهوم الدولة الأوحد وعدم الحرص على الصالح العام وضعف الوعي الحقوقي أو غيابه إضافة إلى ضعف الشعور بالمجتمعات والثقافات الأخرى كلها ظواهر تصدمنا كل يوم والنظام التعليمي وما يحتويه من مناهج مسؤول بدرجة كبيرة عن ذلك كل هذه المظاهر ومن ثم تحتم على النظام التعليمي أن يعالجها في كافة أبناء الأمة رجالا ونساء ومن ثم فالدعوة التي نطلقها هنا هو ضرورة المراجعة الكاملة لمناهج التربية الوطنية المقدمة حاليا في مدارس الذكور من الطلاب السعوديين لتتوافق محتوياتها وتدريباتها مع التوجهات الجديدة للدولة في ظل تأكيد مفاهيم التعايش السلمي والحوار بين الأديان التي يقودها الملك عبدالله ثم العمل مباشرة على معالجة خلل عدم تدريس الفتيات لمادة التربية الوطنية الذي يعتبر تمييزا واضحا ضد الإناث بسبب جنسهن فكلنا مواطنون سعوديون ننتمي لهذا الوطن الكبير، وولاؤنا يجب غرسه وتأكيده ليكون في قلب هذا الوطن مع التأكيد على المفاهيم الإنسانية العامة مثل السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان والحوار بين الأديان والثقافات لتكون مكونات ثقافية يترعرع في ظلها السلام والوئام العالمي الذي نحن وتوجهاتنا جزء أساسي منه.






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد