من أمثال العرب قولهم: رجع بخُفي حنين. |
فما قصته؟ وأين وُجد حنين هذا؟ |
كان حنين إسكافاً من أهل الحيرة، فساومه أعرابي بخفين، فاختلفا حتى أغضبه، فأراد غيظ الأعرابي، فلما ارتحل أخذ حنين أحد خفيه فألقاه في طريقه، ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخف حنين، ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى. فلما انتهى إلى الخف الآخر ندم على تركه الأول، فأناخ راحلته عند الآخر، ورجع إلى الأول وقد كمن له حنين، فلما مضى الأعرابي عمد إلى راحلته وما عليها فذهب بها. |
وأقبل الأعرابي ليس معه غير الخفين، فقال قومه: ماذا جئت به من سفرك؟ فقال: جئتكم بخفي حنين، فصار مثلاً. |
والحيرة لمن لا يعرفها: هي مدينة تاريخية تقع في جنوب وسط العراق، جنوب الكوفة, اتخذها المناذرة عاصمة لهم. |
ولنستمر في العراق، الذي شهد أول انتصار للعرب على قوة عظمى آنذاك، وهم الفُرس، الذين كانوا يمثلون مع الروم قطبين أو قوتين عظميين آنذاك! |
فلقد قام كسرى باستدراج النعمان، وقتله، وذلك بعد أن رفض تزويجه وابنه من بناته كما قيل. مما أثار حمية العرب الذين اتحدت قبائلهم المحاذية لفارس آنذاك ضد كسرى وجيشه، وقاتلوا الفرس وهزموهم في موقعة ذي قار التاريخية، فرجع الجيش الكسروي ومَن بقي من قادته يجرون أذيال الخيبة والصغار. |
وقد سجل الشعر تلك المفخرة للعرب، ومن ذلك قول السيد أبي الحسن يفخر بقومه بني شيبان: |
يا آل شيبان لا غارت نجومكم |
ولا خبت ناركم من بعد توقيد |
لأنتم دعائم هذا الملك مذ ركضت |
قبل الخيول لإبرام وتوكيد |
المنعمون إذا ما أزمة أزمت |
والواهبون عتيقات المزاويد |
سيوفكم أفقدت كسرى مرازبه |
في يوم ذي قار إذ جاءوا لموعود |
وبفاصل زمني طويل جداً، لنستمر بالعراق، عراق الإباء والكرامة والعِزة، ولنسأل سؤالاً يطرح نفسه بقوة بعد رشق الرئيس الأمريكي بالحذاء من قبل صحفي عراقي: |
هل يأتي اليوم القريب الذي يقال فيه عن بوش: رجع بخفي منتظر؟ |
فالعراق لا أحد يشك ببسالة أبنائه، وإبائهم، ورفضهم للذل. |
وهل جلب الجيش الأمريكي ومن معه للعراق إلا الذل والهوان، وإرجاع بلد الحضارة والثقافة مئات السنين إلى الوراء؟ |
إن الذي ضرب وجه (تمثال) صدام عند سقوطه بالحذاء، هو الذي ضرب بوش بالحذاء، والفرق بين الحذاءين أو الضربتين هو أن الأولى فرحاً بزوال الرئيس العراقي واستبداده، أما الأخرى فحصلت حنقاً وغضباً على رئيس دمر جيشه بلداً جاء (بزعمه) ليخلصهم ويقدم لهم الحرية، فلم يفِ بما وعد به، بل قدَّم لهم خراباً وبواراً لا حدود له!!! |
|
يقول الشاعر معروف الرصافي: |
ورب مستصحب لي قال يُخبرني |
إن العدوّ إلى أرض العراق دنا |
فقلت دع عنك هذا إنه خبرٌ |
سواه يَبعث في أحشائي الشَجَنا |
إن صحّ أن العدوّ اليوم مقترب |
إلى العراق فقد أكدى وقد أفنا |
إن العراق لعمر الله مسبعة |
تواثبُ الأسدُ فيه من هنا وهنا |
فإن فيه رجالاً من بني مضر |
إذا تحارب لا تستشفع الهُدَنا |
تحمَّلوا كل عبءٍ في حياتهم |
إلا الصَغار وإلا الضيم والمِننا |
|