Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/12/2008 G Issue 13232
السبت 22 ذو الحجة 1429   العدد  13232
مجريات الأمور في العراق!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

لست بصدد الكتابة عن معركة رمي حذاء صحفي عراقي في وجه الرئيس الأمريكي (جورج بوش)، وهل كانت تلك الطريقة لائقة بمهنة الصحفي وأهلها، أم لا تليق؟. مع أني أجدها فرصة مناسبة لأنادي بإطلاق سراحه.

تناغما مع الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي التي وعدنا بها العهد الجديد.

مقالي هذا سيكون حول الاتفاقية الأمنية التي أقرتها الحكومة العراقية بغالبية الأصوات مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتمرير تلك الاتفاقية المثيرة للجدل، مع أن شرائح عديدة في المجتمع العراقي ترفض تلك الاتفاقية، معتبرة الوجود الأمريكي استعمارا جديدا يكرس الاحتلال المقيت، ويسمح ببقاء قوات الاحتلال الأمريكية في العراق لمدة ثلاث سنوات بعد انتهاء التفويض الأممي لها نهاية العام الجاري. مما يعد في اصطلاح التحليل السياسي انتصارا للجولة السياسية الأمريكية، وتمكينها من تمهيد الطريق لبلوغ أهدافها، والتي من أهمها: إضفاء الشرعية على وجود القوات الأمريكية البالغ عددها (152) ألفا، موزعين على أكثر من (400) قاعدة عسكرية، خلال السنوات الثلاث المقبلة حتى نهاية عام 2011م. كما تعطي تلك الاتفاقية: الشركات النفطية الأمريكية حق التنقيب عن النفط في الأراضي العراقية، ويكون كل ما تحصل عليه من النفط ملكها من أجل ضمان تدفق النفط حتى آخر قطرة.

ومما يؤكد على أن الحكومة العراقية كانت مجبرة على توقيع المعاهدة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى ما سبق من أهداف، هو ما أوردته صحيفة (الاندبندنت) البريطانية من أن الإدارة الأمريكية اتخذت رهينة لها (50) مليار دولار من الأموال العراقية الموضوعة إلزاميا في البنك المركزي الأمريكي، كما كل العائدات المتعاظمة من النفط، والمحمية بمرسوم رئاسي من بوش يحصنها ضد مفاعيل البند السابع من قرار مجلس الأمن الذي كان مطبقا على العراق. وأنه إذا لم توقع المعاهدة فسيخسر العراق آليا (40%) من احتياطيه المالي عبر رفع الحصانة الرئاسية الأمريكية، أي أن ذلك عدا كونه وسيلة للضغط، فهو باب آخر للنهب.

وبموجب الاتفاقية الأمنية سينتقل العراق من ولاية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والوصاية الدولية إلى الوصاية الأمريكية، وسيتم إلغاء الأمر رقم (17) لعام 2003م، الذي أصدره الحاكم الأمريكي السابق (بول بريمر). مما سيضفي الشرعية على وجود القوات الأمريكية في العراق لأمد طويل، قد يصل إلى خمسين عاما قادمة حسب ما صرح به مسؤولون أمريكيون، من أجل تحقيق أطماعها في المنطقة، خاصة أن (اتفاق إعلان المبادئ) الموقع في 26 -11 -2007م، بين إدارة الاحتلال والحكومة الحالية، واللمسات الأولى للاتفاقية الأمريكية العراقية طويلة الأمد، الصادرة عن الحكومة الحالية في مطلع هذا العام على حق قوات الاحتلال الأمريكي بضرب أية دولة تهدد السلم والأمن العالمي، حسب التوصيف الأمريكي، انطلاقا من الأراضي العراقية.

تراهن أمريكا في المرحلة القادمة على تحقيق أهدافها بالسيطرة على العراق بأقل التكاليف المادية والعسكرية، وستؤسس حقبة جديدة لاحتلال العراق كونها اللاعب الأساسي فيها، لا سيما وأن نصوص الاتفاقية مثيرة للجدل، حيث كشفت عن طبيعة البنود التي تحتويها، والآثار الخطيرة التي تترتب عليها، ومن ذلك: ارتهان حاضر العراق ومستقبله، وتمديد وضع الاحتلال إلى أجل غير مسمى، وسيدفع ثمنها بلا شك شعب العراق. وسيكون ساذجا من يعتقد أن أمريكا ستخرج بعد ثلاث سنوات، فمصلحتها فوق كل اعتبار، وفي جعبتها أكثر من مخطط لعراق ما بعد صدام.



drsasq@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد