لنا صديق يكبرنا قليلاً؛ ولد وعاش في الرياض، غير أن والده كان يرسله -كل صيف- إلى مدينته الوادعة لكيلا ينسى لهجة جماعته، ويتندر صاحبنا بأنه كان يسافر في الإجازة الطويلة لتعلم اللغة.
اصطبغنا باللهجة أو اصطبغت بنا؛ لتظلّ اللهجات هنا، وفي أرض الله الواسعة: ما شرّق منها وما غرّب قاسماً مشتركاً يصل بين أبناء الأقاليم المتشابهة، ولا ضير؛ ما دامت لدينا لغة ثالثة تسود -اليوم- أوساط الشباب؛ إذ لم تعد مفرداتنا المغرقة في محليّة المناطق مفهومة للأجيال الجديدة.
هكذا تتطور اللغة الحيّة: (الفصحى والعاميّة)؛ وقد ألف شيخنا الجليل محمد العبودي كتاباً في جزأين عنوانه: (كلمات قضت) أي اندثرت، وتجاوزت -في حصره- أكثر من ألفي مفردة، ويحاول بعضنا مخاطبة أولاده بما اعتاد أهلهُ مخاطبته به فيحتاج معهم إلى تفسير؛ ما يشير إلى التطور الدلالي بحكم المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إضافةً إلى ضرورات توظيف اللغة واستخداماتها وتنقيتها -بين آن وآن- مما انتهت صلاحيته، ودور السياق والمجاز والاشتقاق والحاجة والمستجدات في ذلك.
ليكن هذا أو أكثر منه؛ فقد اهتم اللغويون بالأمر، وأصبح للدلالات (السيمانتكس) علم خاص بها، وليبقى لنا معنى أكثر أهمية يتصل بالوحدة الوطنية التي تعد اللغةُ الثالثة أهم مظاهرها، ونكاد لا نميز في الشباب أصولهم أو جذورهم إلا بالتدقيق في اللهجة التي يصعب إخفاؤُها مثلما لا ضرر فيها.
وحدة الوطن مرتكز لا يجوز المساسُ به، والغدُ مرتهن بالفكر الوحدوي الذي لا يعوقه جهوي ولهجوي.
اللغةُ واحدةٌ للتوحيد.
Ibrturkia@hotmail.com