Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/12/2008 G Issue 13232
السبت 22 ذو الحجة 1429   العدد  13232
ثقافة الأحذية تجتاح العقول العربية
د.علي بن شويل القرني

أثبتت أحداث الحذاء التي قذف بها الصحافي العراقي في وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش أننا في العالم العربي لا نزال وسنظل شعبا عاطفيا متشنجا وغير عقلاني بكل الصفات المتدرجة، ولم ننضج بعد على الرغم من الأزمات والحروب،..

.. وعلى الرغم من سنوات التعليم التي قضيناها في المدارس والجامعات، وعلى الرغم من الخبرات التي خضناها على كل الأصعدة في مجالات الحياة العامة في أرجاء الوطن العربي.

نسبة من أبناء العالم العربي - وأرجو ألا تكون كبيرة - انجرفت مع العاطفة، وصنعت من الحادثة رمزية بطولية، كأننا حققنا انتصاراً قومياً وهزمنا فيه الولايات المتحدة وجميع الدول العظمى بحذفة حذاء، فكيف لو ضربنا بعصا، أو أطلقنا رصاصة، أو رمينا ببندقية، وناهيك لو أطلقنا صاروخاً فنكون قد دمرنا العالم.. هذا باختصار ما يتوقعه الفرد من تداعيات حادث الحذاء.. وفق المنطق العربي الجديد.

كثير من السياسيين في العالم يمرون بمثل هذه الاحتجاجات من رمي البيض، إلى رفع لافتات احتجاج، إلى رفع الأصوات المعترضة، إلى رمي كل ما يمكن أن يحمله الفرد، ولكن لم تجد التطبيل من القاعدة الشعبية في تلك المجتمعات.. ولم تتعد حدود ذلك المكان وبعض وسائل الإعلام التي تكون قد ساقتها كحالة طريفة في سياق تغطيات يومية تموج بكل شيء.. أما نحن في العالم العربي فقد أفردنا لها الجوائز، والقصائد، والمقالات، والخطب الرنانة، والأحاديث البطولية، وغير ذلك من مختلف قنوات البطولات الخارقة، والانتصارات غير المسبوقة في العالم.

نحن لسنا مع السياسة الخارجية الأمريكية لا في فلسطين، ولا في العراق، ولا في كثير من دول العالم، ولكن ما نقوم به حالياً عبر الإنترنت، ووسائل الإعلام العربية ونصنع منه بطولات خارقة، فقد نختزل قضايانا، وهمومنا، ومشكلاتنا على شكل طقوس سطحية، ورموز قشرية لا تقدم ولا تؤخر.. فنحن بمثل هذا الحدث، نستطيع أن نقوم بحرق إسرائيل برمي رئيس وزرائها أولمرت بطبق بيض، أو نستعيد الأراضي الفلسطينية بقذف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بحذاء.. وهكذا نستطيع أن نحل مشكلاتنا العربية المزمنة بمثل هذا الأسلوب الجديد، الذي يمثل تقنية الحذاء النووية الجديدة، التي ابتكرناها في عالمنا العربي عن طريق الصدفة العجيبة، مثلما اكتشف إسحاق نيوتن قانون الجاذبية في هذا العالم، وغير ذلك من المكتشفات، والاختراعات التي غيرت وجه العالم.

اليوم لا نحتاج الجيوش العربية، ولا الأسلحة الحديثة ولا الطائرات المقاتلة، بل كل ما نحتاجه في عالمنا العربي هو (كومة) أحذية نلبسها في رجولنا، ونضعها في جيوبنا، وربما حقائبنا، ونستطيع بها أن نذود عن حقوقنا العربية، وندافع بها عن قضايانا المصيرية.. ولن نحتاج بعد اليوم إلى وزراء دفاع، بل إلى وزراء تكون مهمتهم تطوير سلاح الأحذية، وبناء صناعات متطورة لهذه الأحذية، وتشجيع الباحثين والعلماء على ابتكار أساليب جديدة في هذه الصناعة وتشجيع اقتنائها، وبخاصة في المؤتمرات الصحافية والإعلامية.. كما ربما ننصح الوفود العربية التي تتفاوض للسلام، أن تحمل معها أحذية إضافية فالذي لن نسترده بالمفاوضات يمكن أن نسترده برفع الأحذية وقذفها على أعضاء الوفود التي نتفاوض معها، فهذا من شأنه أن يستعيد لنا حقوقنا بأسرع مما نتوقع، وبأقل تكلفة من الخسائر المادية والبشرية.

أما من يريد أن يشتري حذاء الصحافي الذي قذفه على الرئيس بوش بعشرة ملايين ريال أو دولار أو يورو فهذا الشخص يستحق أن نفرد له جائزة في مجموعة الجوائز التي قد نستحدثها في خضم هذه الأحداث المتسارعة على الساحة العربية، وحتى نستطيع أن نكافئ المحسن، ونعزز الإيجابي في هذه الثقافة الجديدة التي اخترعناها في القرن الحادي والعشرين.. وقد نستحدث جائزة الحذاء العربية ونقدمها لمن يتحمس كثيرا لمثل هذه الثقافة غير المسبوقة في العالم أجمع.. أما تجميع الأحذية التي سنقذف بها الشخصيات الدولية ومن يعادي العالم العربي، فربما نصنع من عوائدها وقفا كبير للصرف على هذه الصناعة الجديدة في عالمنا العربي التي لم يسبقنا إليها أحد.. كما يمكن من خلال هذا الوقف أن نستحوذ على شركات الأحذية الدولية ذات الماركات العالمية، وتصبح جزءا من ممتلكات وثروات العالم العربي.. وفي ظني أننا ربما نحتاج إلى نشر هذه الثقافة في مناهجنا الدراسية، ونفرد لها فصولا مستقلة نربي عليها أجيالنا الجديدة، وكيف أن هذه الأساليب العربية المبتكرة استطعنا من خلالها أن نستعيد قوتنا ومجدنا العربي المسلوب.

بقي أن نشير إلى أن وسائل الإعلام الغربية وغيرها تحدثت وكتبت عن هذه الحادثة، ولكن يجب أن نفهم أنها بمثابة سخرية من العقلية العربية، وعلى شكل أخبار خفيفة وطرائف شعبية من ثقافات غريبة.. ولم يكن تناولها على أساس الجدية فيها، أو أنها ستغير أي شي في معادلات المنطقة.

وأخيرا، كما قال عبد الله القصيمي، فنحن - العرب - ظاهرة صوتية، وكنا نتوقع أنه كان يتحدث عن فترة عقود مضت وسنوات مرت، ولكنه ربما يحتاج أن يعيد طباعة نسخا إضافية مما كتبه في هذا الموضوع، ليضيف إليها بعض الفصول التي تتناول أن العرب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لا يزالون ظاهرة صوتية، ولكن من خلال تقنيات جديدة (الأحذية) واستخدامات متطورة (الرمي).

المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6008 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد