Al Jazirah NewsPaper Friday  28/11/2008 G Issue 13210
الجمعة 30 ذو القعدة 1429   العدد  13210

نوازع
ابن لَنْكَك
محمد بن عبدالرحمن البشر

 

اسمه محمد بن جعفر، يكنى أبا الحسن، ويلقب بابن لَنْكَكْ، شاعر عاش في القرن الرابع الهجري، ساخطاً على مجتمعه أو ربما غيور عليه أو أنه لا يحسن السياسة، أو التعامل مع واقع حال مجتمعه فثارت ثائرته وأخذ يظهر سخطه على مجتمعه وأسلوب الإدارة المتبع في ذلك العصر، ويبدو أن تلك سجية من سجاياه، وجبلَّة أورثها الله أهياه، فاستعصى عليه ترويضها، والصبر على ما يراه لنيل مبتغاه، وشعره أهم مادة في حياته، وشاهد حق على ما كان بداخل ذاته، وهدد وثار وزجر، وهجا فقسا ويسر، ويظهر من شعره أنه متأثر بأبي نواس، ودلالة ذلك قوله هاجياً أبا رياش، بسبب ذمِّه لأبي تمام وأبي نواس:

يقول ابن هاني أفسد الشعر ضلَّه

وشعر أبي تمامكم هو أضبع

وأكثر ما يرمز إليه ويصرح في شعره، ما كان يختلج في قلبه من غيظ، لبلوع من يقل عنه مرتبة في العلم والكفاءة، شأناً لم يبلغه، وينال من الدنيا أكثر منه، فيقول في ذلك:

حرمان ذي أدب وحظوة جاهل

أمران بينهما العقول تحير

وقوله أيضاً:

عجبت للدهر من تصرفه

وكل أفعالنا عجب

يعاند الدهر كل ذي أدب

كأنما ... أمه الأدب

ولم أورد الكلمة في عجز البيت الثاني لفحشها.

وقوله أيضاً:

فعاقل ما يَبُلّ أنملهُ

وجاهل بالدين يغترفُ

وكان مشهوراً في البصرة وبغداد، ويتذمر من نيل غيره المراتب العالية التي يجد نفسه أقدر لنيلها، وأحق بحيازتها فيقول:

الدهر دهر عجيب

فيه الوليد يشيب

العَيْرُ فوق الثريا

وفي الوهاد الأريب

أي أن الدهر لم ينصف فقد وضع العير وهو الحمار في مراكز متقدمة، بينما الأريب العاقل لم ينل حظه من ذلك، ويبدو لو أن أريباً غيره قد حاز منصباً يبتغيه، لم يقنعه ذلك، فهمه أن يرى نفسه في ذلك المكان والله أعلم.

ورجل مثل هذا لا بد أن تمر عليه فترات من الحزن والألم، وربما يكون ذلك من الأوضاع الاجتماعية، أو الهوس والحرمان فيقول في ذلك:

لعب الهوى بمعالمي ورسومي

ودفنت حياً تحت ردم همومي

وشكوت همي حين ضقت ومن شكا

هماً يضيق به فغير ملوم

نعم، إنه محق، فعندما تضيق بك الهموم فعليك أن تشكو همك لتفرغ عن ذاتك، مخزون أحزانك، والدنيا مليئة بكل العجائب والمستغربات، والبدائع النادرات، والأمور المضحكات، ولكن الحلم مع الغيظ، والصبر على المصيبة دواء أمر به الدين، ويحتاج إلى ترويض النفس، قال المتنبي:

كن حليماً إذا بليت بغيظ

وصبوراً إذا أتتك مصيبة

فالليالي من الزمان حبالى

مثقلات يلدن كل عجيبة

إنها مثقلات بكل عجيبة، لكنها الدنيا هكذا تفعل، ولذا قال عنها الشاعر:

إن أدبرت بال الحمار على الأسد

أو أقبلت باض الحمام على الوتد

لذا فإن ابن لَنْكَك كان مخطئاً، وعليه أن يتحمل عصره حتى وإن بال الحمار على الأسد، فإن كان ابن لنكك أسداً، فسيظل أسداً وبولة الحمار عليه لن تمنعه من كونه أسداً، وربما يذهب إلى أحد الأنهر فيغتسل مما لحق به، ويعود أسداً كما كان، والغابة مفتوحة وقد ينزح إلى مكان آخر، ويبقى الحمار حماراً بعد بولته.

وسأورد أبياتاً جميلة قالها في أهل زمانه، واصفاً حالهم كما يراه بمنظوره فيقول:

يعيب الناس كلهم الزمانا

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان إذن هجانا

ذئاب كُلّنا في زي ناس

فسبحان الذي فيه برانا

يعاف الذئب يأكل لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

هكذا هو، كما يرى بني عصره، ونحسبهم إن شاء الله أفضل بكثير مما وصفهم لكنه الشاعر الساخط، يعبر عما بنفسه، وليس بالضرورة أن يكون واقع حاله وقال:

يا زماناً ألبس

الأحرار ذلاً ومهانة

لست عندي بزمان

إنما أنت زمانة

كيف نرجو منك خيراً

والعلي فيك مهانة

أجنون ما نراه

منك يبدو أم مجانة

والزمانة: هي العاهة.

والأحرى أن أتوقف هنا حتى لا أطيل وخشية من أن يأخذني قلمي إلى أن ألمس شيئاً من هجائه، وهو هجاء فاحش لا يليق إيراده.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد