* كثيراً ما كنت أتوقف عند (الكلمة - الموقف) التي تبلورت من خلال عطاءات الكاتب الراحل (أحمد بهاء الدين) رحمه الله... وبانتمائه العربي الأصيل.
كان يخوض أحداث أمته المرهقة في كل مرة، ويخرج برؤية دقيقة أو حزينة أو مؤلمة من تحت السحب الداكنة التي تنشرها السياسة وهي تأخذ كاتباً أصيلاً إلى الجراح العربية، وتطوح به في دوامات من القلق ومن النقائض، وترميه بعيداً عن فعل الكلمة التي تريح النفس، وتجدد صفاءها!
وتوقفي عند (الكلمة - الموقف) في يوميات الأستاذ (بهاء الدين) - رحمه الله - التي كان ينشرها في (الأهرام)، وفي مقالاته العميقة: كان يمثل معاناة الإنسان العربي الذي يعايش عصر الصواريخ، والقنابل العنقودية، والانشطارية، والكيميائية... عصر العنف، والدماء، وتكريس الخوف في نفسية كل شعب يستنهض بكفاحه: إصراره على الحرية، والكرامة، والاستقلال.
وقد صوَّر مادية العصر الموغلة في مشاعر الإنسان وطموحاته، وهو الذي كتب في رثاء الشاعر (أمل دنقل) يوم وفاته، تلك العبارة التي فجَّرت (شاعرية) أحمد بهاء الدين... فكأنه - يومها - لم يكن يسطر نعياً لشاعر فحسب، بل كان يكتب نعياً للشعر عامة، أو للمشاعر الإنسانية.. يومها أورد عبارة (بول هازار) القائلة: هذا زمن بلا شعر!!
وذلك يعني: أن روابط الكاتب بأحزان مجتمعة، وبهمومه، وبمبدع حرف مثله... تتوهج شعوراً، وتضيء عشقاً، عندما تلتحم المعاناة بين الكاتب ومن فقده، أو ما فقده... فتأتي صوره المكتوبة بالحرف، وتحليلاته: لوحات توزعت فيها الألوان، والإضاءة!
عندما مات في عزلة المرض، لم يجدوا من يملأ (قامة) عموده اليومي في الأهرام كبديل.
وعندما مات منحسراً عن الدنيا.. بقينا نفتش من بعده كثيراً عن مفكر سياسي كان يخاف على جيل المستقبل العربي... لأنه رأى آفاقه ضيقة: ملبدة بالغيوم، حافلة بصنوف القمع النفسي والفكري!!