في سيرة عبدالله الجفري.. تجربة صحافية.. ثرية.. أتاحت له مواكبة التحولات الأدبية والثقافية في الحجاز.. ونتائجها المبكرة.. في مرحلة مهمة من مراحل تشكلها..
قربته من رموزها فأخذ منهم وكتب عنهم.. أُشرِب في وعيه وفؤاده الافتنان بالزيدان.. إبان فتوته الأدبية.. وغزارة انتاجه.. وقيمة حضوره المؤثر.. فكتب عنه متأملاً ومستقياً زخم ذلك الحضور.. فأنجز (محمد حسين زيدان زوربا القرن العشرين).
* كان الجفري قريباً من أكثر فترات الحراك الثقافي في الحجاز نشاطاً وانتاجاً..
وفي أهم أزمانه تأصيلاً للريادة.. بمعنى اختطاطها علامة لهوية المجتمع..
ومفصلاً في تكوّن فكره ونهضته.. وعنفوان رموزه..!
وبالرغم من تقاطع الخطوط الساخنة لهذه المناخات.. وافتراق خطها إلى متوازيات..
كانت أحياناً.. مشكلةً لاتجاهات الاضداد.. ظل الجفري (محايداً) و(منتمياً) في آن..
(حياده) راكم في تجربته العمل الصحفي في احترف والتزام..! وخبرة تشكلت
عبر أكثر من موقع.. فمن سكرتير تحرير ثلاث مطبوعات صحفية إلى نائب رئيس تحرير صحيفة دولية.. ومدير إقليمي لأخرى..! استحقاقات وظيفية.. لم تسنفد طاقاته ككاتب..؟
* عبر سيرة نوعية كهذه.. كوّن (الجفري) دراية واعية بتفاصيل ومكونات الحراك الثقافي.. من خلال أكثر أدواته وتعبيراته وحساسية (الصحافة).. أما الانتماء.. فصفة.. لا أُلصقها بكيان (عبدالله الجفري) بداعٍ مناقبي أو افتعال فرادة..!؟
إذ يعبر إنتاجه الأدبي.. عن صدقية الوصف.. ويتوافر على أثرى دلالته تعبيراً ووثوقية..!
كتب الجفري الخاطرة القصة والرواية.. والمقالة...! وإن كان يجد ذاته ومقدراته في كل منها.. وإن عبر عن تمكن في مقاربة الصياغات والشروط المعيارية لكل هذه الأنواع..
فقد استنفذت النوعية في عمومها الأدبي.. كتابات الجفري..
فلم يرضِ صنيعه السردي النقاد..؟
فحاولوا إقصاءه في زاوية الحس الرومانسي.. وقواسم حقلها الدلالي الباحث عن الألفة وهدأة الشعور ودفء العلاقة.. والمستكن لدعة التداعي التعبيري في عاطفة متوقدة وتفانٍ في سحر الخيال..؟
وهي تهمة يستوعبها (الجفري) باعتداد ذاتي.. وزخم امتلاء.. فلم يضره الانتقاد.. وإن أراد حشره في مزدوجة التصنيف..! وبدا الكاتب المخضرم علامة في مسيرة هذا الاتجاه.. بقدرات وطاقات احترافية لم يخبُ وهج تميزها يوماً ما.. ودون أن تتواضع قامة صوته لتبعات التصنيف إذ يعلن التأكيد على معنى الاعتداد بالذات.. والثقة بمكوناتها بقوله:
(لعلني تأثرت بعشق جديد.. بتلك الرسائل التي كتبها أديب العربية وموسيقار الكلمة المجنحة مصطفى صادق الرافعي في كتابه الصغير جداً: أوراق الورد).
* فالجفري يعبر هنا عن انتمائه لرائد من رواد الرومانسية في تناغم يؤكد الاعتداد بالرافعي مثالاً..!
ولكن فضاء انتماء الجفري الأوسع والأعم.. كان للكلمة.. في جذرها الإنساني..
وغايتها المثالية.. وصدقية الالتزام بها..! وخارج كل أطر التصنيف. فالجفري.. يمتلك ناصية التميز الرفيع.. في هندسة الكلمة.. وتكوين إيقاعها الحميم.. ورسم أفقها الآسر في كتابة (المقالة).. وجس نبض الخاطرة الفواحة.. بمفاصل وجدان مولع بها يعبر عن إنسانيته.. وثقافته..! وعن متحركات فضائه الجمالي.. ورؤاه المتجددة وحسه الفنان..!
كتب سباعي عثمان مقدمة لكتاب الجفري (نبض) الصادر عن تهامة سنة 1401هـ (.. هوية الجفري ضائعة بين عمق الرؤى والاحلام.. ودفء الوجدان وشكل الشعر ومضمونه).
* و(ضياع) كهذا.. يجسد معنى (الانتماء) للكلمة.. في أفق كونها الوجودي.. وكينونتها القيمية.. وفي كسرها.. لكل أطر المعايير.. والتصنيفات..! وفي تحقيقها لبعدها الجمالي الصرف.. وتأثيرها المبتغى..!
* وفي أكثر من مجموعة قصصية ورواية.. رآها سعيد السريحي دون المستوى الفني والشرط المؤهل.. لولوج حقل الكتابة السردية المعاصرة.. وبنوعية حساسيتها وتقنياتها..!
وعدّها الشنطي (واقعة أحياناً في براثن الإغراء بالثرثرة المجانية.. التي لا تكشف عن حقيقة الشخصية، بقدر ما توحي بالرغبة في الإطراف والامتاع).. واعتبر منصور الحازمي أبطال مجموعة (الضمأ).. للجفري (يملأون الدنيا بصراخهم عن الملل ورتابة الحياة وعبثها وتفاصيلها، وأنهم لا يكفون عن التفكير).