Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/10/2008 G Issue 13153
الخميس 03 شوال 1429   العدد  13153
خصائص الدرس النحوي في مدرسة الكوفة
أ. د. عبدالكريم محمد الأسعد *

انصرف الكوفيون في البداية عن الدرس النحوي إلى رواية الأشعار والأخبار والملح والنوادر، ثم تكاتف البصريون والكوفيون بعد قرن من اشتغال البصريين وحدهم بالنحو على استكمال قواعده مع التنافس في ذلك تنافساً شديداً قرابة قرن آخر خرج بعدها علم النحو تام الأصول كامل العناصر الرئيسة وانتهى الاجتهاد فيه (تقريباً).

وقد اتجهت الكوفة وجهة خاصة في أساليب البحث النحوي وطرق الاستنباط ومبلغ الاعتداد بالشواهد وغير ذلك، ونشأ عن هذا أن أصبح للكوفة مذهب له طابع خاص.

وكان الكوفيون أسلس وأكثر تساهلاً فاحترموا كل ما صحَّ سماعه من العرب ولو خالف قواعدهم وأجازوا القياس عليه بل عدّوه أساساً لوضع قاعدة جديدة، وقد اعتمدوا أيضاً على الشعر المصنوع وعلى الشعر المنسوب لغير قائله دون أن يهتموا بالتمحيص واكتفوا بالشاهد الواحد وبنوا عليه حكمهم واستنبطوا منه قاعدتهم، بل لقد ترخصوا أحياناً فأخذوا بالقياس النظري على مقتضى الرأي حين أعوزتهم الشواهد المسموعة فوصلوا بذلك إلى بعض قواعدهم دون اعتماد على شاهد مروي أو أثر مسموع، وقد أدى هذا بهم إلى أن يقل عندهم التأويل والحكم بالشذوذ والضرورات، ومما اعتد به الكوفيون أيضاً شعر الأعراب الذين فسدت سليقتهم بسبب الاختلاط بالحضر، وقد حمل هذا البصريين على أن يكثروا من إنكار شواهد الكوفيين والإعراض عنها، كذلك كان الكوفيون أكثر رواية للشعر وكان المصنوع لديهم منه أكثر من الشعر المصنوع عند البصريين، وهذا هو السبب الذي جعل النحو الكوفي يأخذ شواهده من نظيره البصري وليس العكس.

وقد أدى أخذ الكوفيين بكل شاهد مهما كانت درجته إلى أن يصبحوا أشبه بالمجددين الذين يتلمسون التوسع ويجرون وراء الابتكار، وتميز نحوهم بالترخص وبالاهتمام بتتبع المرويات اللغوية والتسامح في أخذها عن كل واحد ولو كان أعرابية رعناء على حدّ قول المبرد، وبأنهم كانوا إذا سمعوا بيتاً واحداً فيه جواز شيء مخالف لأصولهم جعلوه أصلاً وبوّبوا عليه، وبأنهم أخذوا عن أعراب قرى بغداد والكوفة وهم عند البصريين من غير أهل الفصاحة وممن لا يجوز الأخذ منهم، وبأنهم لم يخرجوا في القراءات عن هذا الإطار، لذلك التزموا بالقراءات المختلفة واعتدوا بها مهما كانت درجتها لإيمانهم بأن كل قراءة سنة متبعة يلزم الاعتداد بها والمصير إليها، وبأنهم التزموا بالمنهج اللغوي، وحرصوا على الانتفاع من جميع المصادر اللغوية مهما كانت منزلتها وآثروا الاعتماد على النقل وقدموه على العقل بسبب تأثرهم بمنهج القراء، إذ كانت الكوفة آنذاك مهبط المشتغلين بالقراءة مما جعلهم أكثر حرصاً على تفسير الظواهر الإعرابية تفسيراً أدنى إلى طبيعة اللغة نفسها وأكثر عزوفاً عن التأويلات وخاصة البعيد منها الذي يخالف الظاهر كما يدل عليه مثلاً قول الكسائي شيخ الكوفيين حين سئل عن شذوذ (أيّ) الموصولة في استعمالاتها عن سائر أخواتها الموصولات (أيٌّ كذا خُلقتْ) وأشد حرصاً من البصريين على الابتعاد عن التقدير والحذف ونحوهما عن اتباع التوجيهات الغريبة المصطنعة وبأنهم على الرغم من منهجهم اللغوي استعملوا القياس وهو عملية عقلية تركيبية بل توسعوا فيه فأخذوا بالقياس النظري في بعض الأحيان الذي لا يعتمد على شاهد البتة مترخصين فيه على مقتضى الرأي وحده، وبهذا أصبحوا أكثر قياساً من البصريين في الكم وأقل منهم إتقاناً له في الكيف، وبأنهم أضافوا مصطلحات نحوية بعيدة عن التعمّل الفلسفي، وأقرّوا بوجود العوامل التي أقرّ بها البصريون وبدورها في الإعراب ولكنهم لم يمنحوها كالبصريين خصائص العلة العقلية ولم يفلسفوها مثلهم.

ومن أهم النحاة الكوفيين: أبو جعفر الرّؤاسي المتوفى بالكوفة ولم يذكر أحد سنة وفاته، ومعاذ الهراء المتوفى بالكوفة سنة 187هـ، وأبو الحسن الكسائي المتوفى في (رنبويه) بفارس سنة 189هـ، وأبو الحسن الأحمر المتوفى بطريق الحج سنة 194هـ، والفراء المتوفى ببغداد سنة 207هـ، وهشام بن معاوية الضرير المتوفى 209هـ، وأبو الحسن اللحياني المتوفى سنة 220هـ، وابن سعدان المتوفى سنة 231هـ، ويعقوب بن إسحاق السكيت المتوفى ببغداد سنة 243هـ، وأبو عبدالله الطوال المتوفى ببغداد سنة 243هـ، وأبو جعفر بن قادم المتوفى ببغداد سنة 251هـ، وأبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب المتوفى ببغداد سنة 291هـ.

* أستاذ سابق في الجامعة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد