احتفلت بلادنا بيومها الوطني يوم الثلاثاء الماضي والذي يصادف الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام.. وهي مناسبة مهمة تذكرنا بأمجاد الوطن على مر العقود الماضية..
والتضحيات الكبيرة التي قدمها قادة وأبناء الوطن في مختلف مراحل البناء والتطور الذي عاشته المملكة منذ أكثر من مائة وعشر سنوات، وهو تاريخ دخول الملك عبدالعزيز واستعادته للرياض.. واليوم الوطني لا ينبغي أن يكون يوماً واحداً في العام، بل يجب أن يكون كل يوم من أيام العام، لأن كل لحظة يعيشها المواطن في حياته العامة والخاصة هي جزء محسوب من حسابات الوطن، ولهذا فقد يضيف المواطن وقد يحذف من هذا التاريخ العريق والموروث الكبير لهذه البلاد..
ومن المعروف أن شعوب العالم تحتفي بأيام الاستقلال (مثل الرابع من يوليو بالنسبة للولايات المتحدة) للدول التي استقلت من وطأة الاستعمار، أو أيام أو أعياد الأوطان كما هي في دول أخرى التي توحدت كياناتها تحت ظروف وعوامل داخلية وأعلنت تواريخ التوحيد أياماً وطنية مثل المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول التي لم تقع تحت نير الاستعمار..
وكل يوم تقريباً نحن نستمع ونقرأ عن هذه المناسبات الوطنية في دول العالم، ونسمع ونقرأ ونشاهد الاحتفالات الشعبية التي تقام في مثل هذه الدول، ونادراً ما نسمع عن حوادث شاذة أو مشاكل تعيق إيقاع العمل اليومي أو الروتيني في الحياة العامة لتلك الدول.. وما ندركه هو أن هذه الاحتفاليات تمر مرور الكرام، بدون أدنى سخط أو هموم تمس الناس أو المؤسسات في أي مراسم احتفالية بهذه المناسبات..
ويوم الثلاثاء الماضي، وتحديداً مساء يوم الثلاثاء، لم يكن يوماً طبيعياً في مختلف المدن والقرى السعودية، وبخاصة مدينة الرياض على وجه التحديد.. فقد تحركت جموع الشباب إلى مراكز التسوق ومراكز التجمعات السكانية بهدف التعبير عن الفرح والابتهاج بهذه المناسبة.. والمفترض أن تكون الأمور عادية جداً، لأن التعبير عن حب الوطن يأخذ أبعاداً وأشكالاً مختلفة، فرفع علم أو صورة أو لبس قبعة أو غيرها من الملابس والرموز الوطنية هو شي اعتيادي.. وهذا ما فعله كثير من المحتفين بهذه المناسبة الوطنية.. ولكن..
ولكن.. ما شاهدناه مساء الثلاثاء الماضي.. لم يكن شكلاً من أشكال الاحتفالات الوطنية، فقد سجلت شرائح من الشباب تجاوزات أخلاقية وسلوكية ووطنية، حولت مثل هذه المناسبة إلى مناسبة أساءت إلى التقاليد والقيم والأعراف الوطنية.. التجمهرات الكبيرة أمام المراكز التجارية وبأعداد هائلة عطلت الحركة المرورية لساعات طويلة، وأعاقت خروج الناس وعودتهم إلى منازلهم.. على الرغم من وجود الآلاف من عناصر الشرطة وتوزعهم على مختلف مناطق وأحياء الرياض - على سبيل المثال - المنتشرين في كل الطرقات وأماكن التجمعات الشبابية.. والذين شكلوا طوق حماية للمحتجزين من آلاف الأسر والمتسوقين داخل المراكز التجارية.. كما أن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانوا في مستوى المسؤولية لحماية الأمن والآداب داخل المجمعات وخارجها.. وبطبيعة الحال بدون تواجد رجال الشرطة وبدون حضور رجال الهيئة كانت الأمور ستسوء إلى درجة كوارث وطنية كبيرة.. لأن الرادع لدى بعض الشباب ليس ذاتياً، ولكن من الخارج، ولهذا لا بد أن تتواجد قوات الردع أمام هذا الشاب أو ربما أيضاً أمام تلك الفتاة من أجل أن يرتدع عن إيذاء الآخرين والتطاول على الناس والتجاوز على الآداب العامة..
ومن أحاديث المجالس، ومن ما نشرته بعض الصحف وبثه الإنترنت من صور وأخبار وحوادث ومشاكل يعكس بلا شك أننا نحتاج أن نستثمر المال والجهد والوقت في تربية بعض شرائح شبابنا من الجنسين، وتهيئتهم وتثقيفهم وتوعيتهم في كيفية التعامل مع المناسبات العامة، وبخاصة المناسبات الاحتفالية..
ما يحدث من تجاوزات واضحة من قبل نسبة من شبابنا في مناسبات الأيام الوطنية أو حتى في مناسبات رياضية سواء كان على مستوى المنتخبات أو الأندية يشير إلى ضرورة أن ندرس هذه القضية ونضع لها سبل العلاج المناسبة قبل أن تستفحل وتتضاعف آثارها على المجتمع.. ما يقوم به بعض شبابنا - هداهم الله - هو أشبه بما يقوم به (الهوليجونز) الفوضويون في الملاعب الأوروبية.. فيفقدون سيطرتهم على أنفسهم ويتجاوزن الأعراف والآداب العامة.
نحن بحاجة إلى دراسة هذه الظاهرة التي بدأت تتكرس كظاهرة سعودية من قبل مؤسسات علمية كالجامعات، ومؤسسات أمنية، ومؤسسات ذات علاقة كوزارة التربية والتعليم والرئاسة العامة لرعاية الشباب وغيرها لمعرفة أبعاد الظاهرة، ووضع الحلول المناسبة لها.. وسيكون اليوم الوطني في العام القادم بمشيئة الله في الرابع أو الخامس من أيام عيد الفطر المبارك، وهي مناسبات تجمهرات أعياد طبيعية، فإذا أضيف لها مناسبة اليوم الوطني فستتضاعف الحشود والتجمهرات في كل مكان، وقد تحدث التجاوزات من جديد، وربما هذه المرة أكثر مما عانيناه مساء الثلاثاء الماضي.
المشرف على كرسي صحيفة (الجزيرة) للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa