انتهت الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وظلت الأحادية القطبية مسيطرة على أجواء المناخ السياسي الدولي, إلا أنه ومع انتهاء تلك الحرب ظلت بعض القوى الدولية مسيطرة على بعض مناطق التأثير في العالم، كمحميات باقية لها تمدها بالنفوذ وتغذيها بدعمها السياسي والدولي, في ظل ذلك كله تستشري حمى النزعات الانفصالية في عالمنا السياسي الجديد معتمداً على أما تحالفات التكتل أو مفاهيم وقناعات عصر العولمة الجديد.
ما يحدث الآن بين جورجيا وأوستيا الجنوبية وتقاسم موسكو خط الحدث معهما حول التوتر الدائر يوضح عدة مؤشرات ومعطيات على أرض الواقع، فبالإضافة إلى انتهاء الحرب الباردة ظاهرياً وفكرياً إلا أنها لازالت موجودة في الصراع على مناطق النفوذ وتكوين التحالفات، كما أن فشل مجلس الأمن في التوصل إلى اتفاق حول القضية يعيد لنا مسألة هشاشة المؤسسة الدولية وتراجع نفوذها في التعامل مع القضايا الدولية الساخنة وما ذاك إلا بسبب سيطرة قوة الفيتو والاحتكار على مجريات القرار في مجلس الأمن.
تظل النزعة الانفصالية والطموحات الاستقلالية والآثار المترتبة عليها إحدى أهم مهددات الاستقرار العالمي والوطني للكثير من مكونات المجتمع الدولي، ولا يعني ذلك أننا نصادر حق الشعوب في تقرير مصيرها، التي يجب إن كان لها به حقوق أن تحكمها وتؤطرها معايير وضوابط تقرير المصير, وأن لا تقذف مثل هذه القضايا في أحضان الصراع الدولي وحلبة منافسته لتعطي الشأن السياسي الحاد الذي يتحول من شأن ثنائي بين دولتين إلى شأن دولي بين الأحلاف والمسيطرين الكبار، فهذا ما لا يعود على المجتمع الدولي وفلسفة الاستقرار والسلم به إلا بمزيد من عدم الاستقرار وتكثيف بؤر التوتر والسخونة في نسقه السياسي.