نعم، إن الإنسان موقف بما يعني طريقة التصرف والأداء السلوكي فيما يعترضه من أحداث.
ولما كنا نعايش مجتمعاً راكضاً في المتغير، فهذا يحتم على قيادات المجتمع ضرورة الاستجابة (الموقفية) لما يواجهها من مواقف وأحداث بطريقة يتحقق بها الرضا الشخصي والتوافق الاجتماعي، حتى لو اختلفت المواقف وما تبعها من أنماط سلوكية.
هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإن سلوك الموقف يتفق بصفة مستمرة مع الحالة النفسية والظروف الخارجية التي يتعرض لها الإنسان في الموقف، ومن ناحية ثالثة فإن اتساق السلوك الذي يتميز به الإنسان ويسمه بسمة معينة يعبر عن الاستعدادات الطبيعية التي يحملها الإنسان المعني بسلوك الموقف والذي يعبر عن نمط الشخصية وعن تفهم الدواعي السلوكية في المواقف المختلفة.
وحينئذ يمكننا القول: إن أنماط السلوك المتوقع في المواقف المماثلة يتحدد بين نمط الشخصية - كما نفهمها من خلال المواقف السابقة - وبين الظروف الاجتماعية والفيزيقية للموقف، وإمكانات التفاعل بينهما (الشخصية والموقف). وفي القيادة (الكرازمية) يكون الأمر أكثر تحديداً فمن نمط الشخصية يمكن توقع السلوك، ومن هذا السلوك يمكن الاستدلال على (التكوينات الفرضية للشخصية).
إذا يمكننا (كاختصاصيين اجتماعيين) أن نفهم طبيعة شخصية القائد بناء على استجابته للمواقف، وما يصدر عنه من سلوك (أفعال وأقوال)، فيما يعترضه من مواقف.
والنموذج الأمثل للشخصية الإنسانية في استجابتها -التوافقية للموقف، القائد الملهم صاحب الأيادي البيضاء، والروح الوثابة نحو فعل الخير، والتمسك بالنزاهة والوضوح، والاهتمام نحو ضرورة تجسيد القيم التي تكفل الحقوق التي نراه دائماً يدافع عنها؛ لأنه يؤمن بها إيمانه بأن مهمة الإنسان في الأرض هي الخلافة التي تعتبر مركزاً لكل عمل إنساني على مساحة الكون كله، وبأن المولى سبحانه وتعالى -بإرادته ومشيئته- اختار للإنسان أن يكون خليفة الله في الأرض، فقد خصه بأداء هذه المهمة، وأيضاً بتحمل مسؤولياته حتى يمكن له أن يرقى إلى ذلك المستوى الذي أراده الله له -مستوى الخلافة- مفهوماً وأداء.
فالتصرفات والإجراءات وأداءات التفاعل السلوكي وموجبات مهام الخليفة على الأرض أوضحها الله تعالى في مخاطبته لداوود عليه السلام بقوله {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}(26) سورة ص.
ومن محددات ومسؤوليات الخليفة، ومهامه فعل الخير لكل الناس، وأن تكون شبكة علاقات التواصل بين الناس مبنية على الضمير ولا يحكمها النظام وحده -إن كان وضعياً- ومعنى ذلك أن التعرض للموقف لزاماً عدالته، والتصرف إزاءه ضرورة صوابه وركيزته في ذلك الصبر والأناة والحكمة والتريث وابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى: دون انتظار لمردود أو منفعة أو جزاء إلا من من قبل الله سبحانه فهو الأمل والرجاء. هذا النموذج الأمثل الذي نوهت عنه -القيادة الكرازمية- الذي يعمل في صمت باني حضارة راقية في مدينة الرياض من منطلق الإعمار المكلف به من قبل رب العالمين، ورافع رايات العمل الخيري -الجمعيات الأهلية- من منطلق أنه راع ومسؤول، ومقيم للعدل في كافة الربوع من منطلق القيادة المستنيرة.
إنه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - متعه الله بالصحة والعافية- ليكمل مسيرة النماء والعطاء، فهو نموذج نهتدي به في العمل الاجتماعي لاسيما في أنواع النشاط الإنساني المتعدد المناحي؛ فنحن نقتدي به ونعم الاقتداء، فسمات شخصيته ونموذجه السلوكي له مكانة كبيرة في نفوسنا.
فكم لسموه من مواقف رائدة في العمل الإنساني، فنحن نقرأ بين فترة وأخرى مساعي سموه لفك رقاب بعض المحكوم عليهم بالقصاص، فسموه يبذل كل ما يستطيع من تدخل معنوي ومادي بين ولي أمر القاتل والقتيل بين شيخ هذه القبيلة وتلك ولا ييأس سموه أو يكل، إنما يبذل كل ما يستطيع لفك هذه الرقاب من حد السيف شعاره (من عفا وأصلح فأجره على الله).
ودور سموه مقدر بين أبناء المجتمع؛ لما له من مكانة خاصة عندهم؛ فكم من الأذرع رفعت أيديها بالدعاء لسموه بطول العمر والصحة، وكم من دمعة فرح نزلت على الخدين ابتهاجاً بعتق رقبة أو فك أسر سجين، وهذا لا يستغرب على مقام سموه فسموه هذا ديدنه وشعاره منذ الأزل ومنذ توليه إمارة منطقة الرياض، وأسوق هنا موقفاً ولعل سموه يذكره؛ لما حباه الله من عبقرية الذكاء والذاكرة. أقول عندما كنت أعمل في دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض (سجن الأحداث الصغار) قبل سبعة وثلاثين سنة حدث أن اتهم أحد الأحداث الصغار وهو باكستاني الجنسية عمره يقارب الثمان سنوات أو أكثر بإحراق بعض السيارات في حي المربع؛ حيث كان يسكن هو وأسرته في هذا الحي في (صندقة) وقد تم إحضاره إلى الدار من قبل الشركة وصدر أمر بترحيله هو وأسرته لبلدهم الأصلي، ولكن كما عودنا سموه على الرأفة والرحمة تم العرض عنه لمقام سموه فوجه ببقاء الأسرة وإطلاق سراح هذا الحدث الصغير.
هنا سموه نظر نظرة الأب الحاني بدلا من تشتت الأسرة وضياعها لاسيما وأنها فقيرة الحال؛ حيث إن والده كان يعمل ولا يزال يعمل في سوق السمك في حي المربع فجمع الله شمل هذه الأسرة بناء على موقف إنساني من أمير الرياض، ولم يكتف سموه بهذا، بل سأل عن أحوال هذا الحدث وأسرته، وذلك عندما قمت بالسلام عليه في ديوان الإمارة من ضمن مجموعة من المواطنين كعادة سموه كل يوم وما يزال والده والحدث الذي يبلغ من العمر الآن حوالي أربعة وأربعين سنة حياً يرزق ينعم بخيرات هذا البلد، فجزى الله سمو أمير منطقة الرياض كل خير وجعل هذا في ميزان حسناته.
فعلاً.. سلمان رجل المواقف وما يزال، وسوف يظل - إن شاء الله- رجل المواقف الداعم لكل خير والمساعد لكل من يستحق المساعدة ويشفع لكل من يحتاج إلى الشفاعة، أطال الله في عمره وألبسه ثوب الصحة والعافية، إنه على كل شيء قدير.