جُلت في ذاكرتي فاستحضرت شخصيتين تربطني بهما علاقة حميمة؛ الأول كان يعمل موظفاً في دائرة حكومية من أبرز مهامها توفير خدمات الاتصال للمواطنين ومنذ تعين هذا الأول في هذه الجهة والشكاوى تترى بشأنه، فمرة يتأخر عن الدوام وأخرى يغيب، وتبرمات المراجعين تتوالى يوماً بعد يوم، فهو يؤخرهم تارة ويعبس في وجوههم تارة أخرى، ومديره دائماً يشكو من قلة إنتاجيته، وعدم اهتمامه بهندامه.
ويا مقلب القلوب تعالوا فانظروا إلى هذا الموظف بعدما سلخت خدمات الاتصال من الدائرة الحكومية وتحولت إلى شركة مساهمة متخصصة بالاتصالات وأصبح موظفاً في هذه الشركة تعالوا وانظروا إلى هندامه بل وانظروا أسلوبه وتعامله مع المراجعين ابتسامة عريضة و(إتكيت) جذاب ناهيكم عن مستوى الإنتاجية والإنجاز، فيا ترى ما الذي غيره؟
أما الآخر فهو معلم كان يعمل في مدرسة أهلية وتراه جاد في عمله - رغم قلة راتبه - حريص على تطبيق الأساليب التربوية الحديثة لا يسمع بوسيلة تعليمية إلا واستخدمها متابع لطلابه دقيق في أساليب تقويمه، مداوم على التحضير، مستمر بالمتابعة، نال شهادة المعلم المتميز ثلاث مرات متتالية، لا يتبرم من حصة انتظار ولا يكسل في الاشتراك في نشاط، هندامه مرتب ولباسه (كشخة) يحترمه طلابه ويقدره ذووهم، معلم مثالي بحق.
ويا مقلب القلوب تعالوا فانظروا إلى هذا المعلم بعدما تعين في مدرسة حكومية فهو مقصر في عمله - رغم جودة مرتبه - مهمل في واجباته، حريص على تقصي حقوقه، غيابه ملحوظ وتأخره مستمر وتحضيره معدوم، ومتابعته نادرة، لا يؤمن بالأساليب الحديثة في التدريس ولا يهتم باستخدام الوسائل التعليمية، ولا يعترف بجدوى المناشط اللاصفية، علاوته السنوية مستمرة ومطالبته بتحسين وضعه دائمة.
فيا ترى ما الذي غيره؟
هل هاذان النموذجان نادران - أتمنى ذلك، مع أنني أكاد أجزم أن مثلهما كثير، ألا يدعونا ذلك إلى التفكر والتفكير في شأن مثل هؤلاء، ثم ألا يوجد غيرهم جادين ومخلصين ومع ذلك هم منسيون! أظن في الفريقين كثر ما دامت مميزات وعلاوات هؤلاء مثل أولئك؟
إذن كيف يتساوى هذا وذاك أظننا بحاجة إلى مراجعة كاملة وتمحيص دائم للحقوق والواجبات والحوافز والمميزات حتى نضمن إنتاجية موظفينا ومعلمينا ونحد من تفريط المقصرين ونكافئ الجادين منهم حتى لا يستمر تساوي الغارب والسنام.
albashri@yahoo.com