Al Jazirah NewsPaper Friday  27/06/2008 G Issue 13056
الجمعة 23 جمادىالآخرة 1429   العدد  13056
العزّ للرّز والبُرغل شنق حاله
سليم صالح الحريّص

** لم يكن (الرُز) في أيام مضت يحظى بالمعرفة والحظوة وبالمكانة اللائقة والحضور اللافت في مآدبنا وموائدنا ولم يكن أيضاً من مأكولاتنا المعروفة مثل ماله اليوم من (شنّة ورنّه) في كل بيت وفي كل مأدبة. بيت ليست وجبة أهلة (الرز) ظهر كل يوم هم في غمّ وكمد.. بل والبعض منهم تصوم معدته ويستشيط غضباً على (المعزبة) إن لم تكن وجبة الغداء يقف على رأسها الكبسة. هذا الرز الذي أصبح اليوم شيئاً أساسياً في حياة بيوتنا وصرنا نعرف أنواعه وأصنافه وميزة كل صنف أكثر مما نعرف عما يحيط بنا ومن حولنا وتحولنا إلى منفقين عليه وعلى (بيت الداء.. المعدة) الكثير.... الكثير من دخلنا المادي..

** بالأمس لا نعرف من هذا (الرز) إلا ما يتذكره الكبار من آبائنا وهو ما يسمى (بالرز الخضيراوي) و(التمّن العراقي) ولا يأكلهما إلاّ علية القوم والموسرين... لكن صاحبنا على موائدنا (الجريش) و(البرغل) و(المرقوق) و(الثريد) و(الخميعا). اكلات بسيطة ولذيذة وذات مكانة وحضور.

** من البسطاء من يصف وبمفردة تعّن من الوسط الاجتماعي (هذه الأكلات) وموضحاً فوائدها بقوله (العصيده.. سم ساعه.. والمرقوق النفاعه.. والخبز مسامير الركب) وهو يقصد بأن (العصده) وهي المعروفة للجميع نفعها لا يزيد عن الساعة، أما (المرقوق) فهو منفعة دائمة، أما (الخبز) فهو الذي يعطي الجسم قوة وصلابة وعافية.. أما الرز فلم يورد له ذكر. والسبب أنه لم يكن معروفا لهم في وقتهم وإلا لنعتوه ب(نافخ الكروش).

** في دول الجوار والتي كانت في يوم ما تأكل مما تزرع من الحبوب والخضار. شكّل القمح ومنتجاته الغذاء الرئيس في حياتهم وكان الرز ذلك الزائر الغريب الوافد من الشرق لا يملك مفاتيح سحرية للدخول إلى أسواقهم فجأة ويدلف من بوابة واسعة في صميم حياة هؤلاء الفلاحين ولكنه أخذ الأمور بالتدرج حتى سيطر على موائدهم وغابات وجباتهم الرئيسة كالبرغل والفريك و(المليحي) و(الجميد) فوصف أحدهم الحال قائلاً: (العز للرز والبرغل شنق حاله) أي أن الرز قد قضى على البرغل.. وهذا لم يحصل.. وان بقي سعره أقل بكثير من الرز.

** لم يعد للبرغل ذلك الحضور ولم يعد للجريش المكانة اللائقة ولم يعد أحد يستلذ بوجبة يغيب عنها الرز.. وفي ظل تصاعد سعر الرز ووصوله إلى أسعار قياسية وخشية المعدة من غياب قسري له يستديعها للصوم الإجباري.. يبرز الجريش والبرغل مرة أخرى مستعيداً مكانته وحضوره فهل يتحول الناس إلى وجباتهم القديمة كي لا يُشنق البُرغل حاله أمام أنظارنا دون شفقة من على قديمنا.. نديمنا.. ومُشبع أمعاءنا قبل أن نعرف الرز...

** المؤشرات التي نراها لا تبشر بأننا بصدد التحول عن الرز كما طالبنا وزير الصناعة والتجارة الأسبق د. هاشم يماني بتغيير عاداتنا الغذائية.

** يبقى الرز سيّد الموائد في ظل هذا النهم الشرائي له وبأسعاره المتصاعدة لكن العز الذي ننتظر أن يستعيده البُرغل وأخواته ربما لن يأتي اليوم أو غداً ولكننا نؤمل أن يستعيد بعض الحضور بعد أن أقصاه هذا الرز ودحره من حياتنا لكي يشنق نفسه بنفسه وبحضورنا والشهود منا على أن ما زرعناه بأيدينا قد وأدناه نحن أيضاً وبأيدينا التي أدمنت الرز... فهل تعتقدون بأنه سيأتي يوم ونقول فيه (العز للبرغل والرز شنق حاله)؟؟ ربما... ربما..




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد