منذ سنوات مضت أطلقتُ من خلال هذه الجريدة الغراء، وعلى صفحاتها مقترحاً بإنشاء وزارة للثقافة للارتقاء بمستوى الأداء الثقافي في مختلف جوانبه وتركيزه وبلورته وزيادة فاعليته مما يساعد في دفع عجلة التنمية في بلادنا.
ولقد جاء القرار الرشيد بدمج الثقافة والإعلام في وزارة واحدة حافزاً للعمل الثقافي وتدعيماً للنشاط الإعلامي، وسعياً نحو تحصيل التوازن المشهود في ميادين الثقافة والإعلام بما يحقق الأهداف الإستراتيجية لسياستنا الإعلامية والطموحات الثقافية التي تعتمل في نفوس المسؤولين والمختصين من أبناء هذا الوطن، ويزاوج بين العمل الثقافي والإعلامي وفق منظومة تتطلبها طبيعة المستهدف الأساسي وهو الإنسان في ذلك الوطن الذي قام ويقوم أركانه على أسس من العقيدة الصافية التي تُعلي شأن الإنسان الذي كرمه الخالق سبحانه وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً.
ويتطلب تحقيق مستهدفات العمل الثقافي بكافة جوانبه التي تجعل (الإنسان) في قمة الاهتمام أن يكون لدينا قدر كبير من التوازن في هذا العمل، فهل حققنا نحن مثل ذلك التوازن؟ إذا كانت الإجابة بنعم فأين نجد الأدلة الحقيقية على ذلك؟ وإذا كانت الإجابة (ليس بعد)، فربَّما يكون السؤال المطروح: لماذا وكيف السبيل لتحقيق التوازن المطلب؟
إن مثل تلك التساؤلات وبخاصة في ميادين الثقافة وحقولها ستجد تبايناً في الإجابات عليها لطبيعة العمل الثقافي، وللخصائص المميزة لكل مثقف أو من نحسبه مثقفاً، ثم للتباين في الطموح بين كل منهم والنظرة الفردية إلى مستوى الجهود المبذولة في حقول العمل الثقافي وميادينه.
ومع كل ذلك فإن مما لا شك فيه أن الثقافة مجالها واسع وبحرها ممتد الشواطئ، وحقولها خصبه، وفضاؤها متسعة وفسيحة، وهي في حاجة للمزيد من الجهود الواعية المخلصة الواعية بمغزى الثقافة ومضامينها، والمخلصة بكافة فكرها وأنشطتها لجعل ثقافتنا السعودية تتبوأ مكانتها اللائقة بها في داخل الوطن وخارجه في إطار من تنسيق العمل وتوحيد الجهود.
فماذا نشاهد على ساحتنا الثقافية؟ إن نظرة واعية لما تزدحم به ساحة الثقافة الداخلية تدرك حجم المعارض الثقافية في الكتب، والتي تقام على مدى العام داخل الجامعات والمعاهد والكليات، كما لا يغيب عن المتابعين أن مثل تلك المعارض تكاد تطغى أخبارها على سائر مكونات العمل الثقافي، وكأن ثقافتنا ستظل تراوح عند الكتاب وحسب أما مكونات العمل الثقافي الأخرى فإن تناولها يتم على استحياء لا يتناسب مع مكانتها في تكوين الفكر وتصحيح السلوك وتنمية الذوق والإبداع.
ومع التقدير الكامل لقيمة الكتاب وما يُحاط به من اهتمام المعارض في مختلف مناطق المملكة إلا أن جوانب العمل الثقافي تحتاج إلى تكثيف الجهود وتوازنها لإعلاء شأنها في بناء المواطن، والكشف عن تلك الجماليات التي تكتشف ثقافتنا السعودية، وهي في حاجة إلى من يُزيح عنها الستار لتقول لعالمنا المعاصر: إن الثقافة السعودية ثقافة إنسانية ذات حضارة ممتدة عبر قرون الزمان وبها من القديم ومكنوناتها، والجمال ومظاهرة ما يرتقي إلى مستوى البناء المتوازن، والمستهدف للإنسان، ويسمو فيه إلى درجات فاقت كثيراً من حضارات الغرب.
ليس هذا من قبيل العاطفة أو المبالغة ولكن إماطة اللثام عن حضارتنا يكشف عن حقائق غائبة نحن مقصرون في معرفتها ومقصرون في تعرف غيرنا بها.
إن الأمر يحتاج لتنسيق فاعل وشامل وعميق بين جهود السياحة والآثار والثقافة والإعلام والتربية والتعليم والجامعات ومراكز البحوث وكافة الجهات التي يهمها ثقافة المواطن، والتعريف بثقافتنا الإسلامية والعربية السعودية، لنشر مكنوناتها ونفيس خزائنها في عالم يموج بالمتغيرات ويمتلئ بالتحديات التي يمكن مواجهتها بثقافتنا متى أحسنَّا توظيف هذه الثقافة وقدرنا قيمتها حق التقدير.
إنَّ وسائل ثقافتنا وإعلامنا مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتكثيف الجهود، وجعلها متوازنة شاملة لتتناول كافة مكونات العمل الثقافي لتنسق هذه الجهود مع طبيعة ثقافتنا التي صنعت الحضارة، وأشرقت على الإنسانية بنور الحق والإيمان والتوحيد، وحولت الإنسان من عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الرحمن.
إن جهودنا ينبغي أن ترقي إلى مستوى ثقافتنا حتى تُسهم برامجنا التي تقدمها أجهزة الثقافة في وطننا في تشكيل شخصية المواطن وسمو همته نحو العمل المخلص البناء وتنمية انتمائه للوطن وتأكيد السلوك الوطني المطلوب منه وإيقاظ الضمائر نحو خدمة الدين والوطن والارتقاء بخدمة المواطنين والإسهام الفاعل في مواكب التنمية في هذا العهد الميمون.
فهل أجهزتنا الثقافية موفية بما نعلق عليها من آمال وطموحات؟ سؤال في حاجة إلى شجاعة في الإجابة، وجدية في الدلائل، ووطنية في التبادل، وواقعية في المقترحات بدلاً من توجيه التهم أو إغفال جهود المخلصين.