لو سألت أي فرد في أحياء مدن المملكة كافة: هل تعرف اسم عمدة الحي؟ هل تعرف مقره؟ ومتى دوامه؟ هل تعرف مهماته؟ ما علاقتك به؟ هل يتفقد حاجات الحي؟ هل يلتقي بأحد من سكان الحي؟..
الإجابة في جملتها معروفة معلومة: لا، لكل الأسئلة السابق ذكرها، ولا، لأي سؤال قد يطرأ على الذهن له علاقة بهذا التنظيم والقائمين عليه.
الإشكال ليس في التنظيم، وليس في القائمين عليه، الإشكال يتجلى في إدراك المواطنين أهمية دور عمدة الحي وقيمته الإدارية، وما يلي ذلك من تفعيل ومتابعة ومراقبة ومحاسبة، وهذه حال تنطبق على نماذج عديدة يبدو تفعيلها وتأثيرها أقل مما يؤمل منها؛ ولهذا فهي بحاجة إلى من يحرك سكونها، ويرفع إشارة الخطر، أو يلفت الانتباه إلى مَواطن الخلل فيها والضعف.
ومع التقدير الكبير، والتثمين الجليل، لرجال الأمن، وما يقومون به من جهود عظيمة، ومتابعات دؤوبة، وما حققوه ويحققونه من نجاحات ونتائج مفرحة طيبة، إلا أنه يجب ألا يحملوا فوق طاقتهم، وألا يشغلوا بتتبع المجرمين الذين هيئت لهم الأسباب والبيئات التي شجعتهم على التجاوز والمخالفة.
إن المتابع لواقع الحال يدرك أن عامة الناس تواكل على رجال الأمن، وأثقل عليهم، بل إن البعض اتهمهم بالتراخي وعدم القدرة، وفي الوقت نفسه ساهم هؤلاء في ترك (الدرعى ترعى) كيفما شاءت دون عقال، سواء كانت هذه (الدرعى) من الخاصة الأقربين ممن ائتمنوا على رعايتهم، أم من العامة الذين تحملوا مسؤولية استقدامهم ووجودهم في البلاد.
وحيث إن جُلّ الناس قد تخلى عن دوره في رعاية ما ائتمن عليه، ولسد الخلل الناشئ عن هذا التخلي، ومعالجة ما ترتب عليه من خلل واضطراب، فإنه من الضروري إعادة النظر في تفعيل دور (عمد الأحياء) وتمكينهم من إحكام السيطرة على الحي الذي يديرونه ويشرفون على شؤونه كافة، ولتحقيق ذلك لا بد من:
- تحديد المجال الجغرافي لمحيط عمل العمدة، وإعلام سكان هذا المحيط بحدوده، ومقر عمل العمدة، وطبيعة عمله ومهماته ومسؤولياته.
- حصر سكان الحي كافة (من السعوديين وغيرهم)، وفق مقار سكنهم، وبيان ما إذا كان الساكن مالكاً أم مستأجراً، وتزويد العمدة دورياً بكل ما يطرأ، من ساكن جديد، مالك أو مستأجر، مع استيفاء كافة البيانات الشخصية والمهنية عنه، ومدى نظامية هذه البيانات إن كان الساكن غير سعودي، وطبيعة العمل وعنوانه، والتنسيق مع أصحاب العمل في ذلك.
- التنسيق المعلوماتي بين المكاتب العقارية، والشرطة، وصاحب العقار المؤجر، والعمدة، حيال إدارة سكن العمالة الوافدة من العزاب، والإشراف المباشر على هذه المقار، ومدى نظامية الساكنين والتزامهم بالنظم وأخلاقيات السكن وواجباته.
- سن تشريع ينظم تفقد مقار سكن العزاب؛ للوقوف على نظامية إقامة الساكنين وملاءمة سكنهم، وعدم استخدام المسكن لأي غرض آخر.
- يشكل في كل حي لجنة، يرأسها أحد الساكنين في الحي ممن تتوافر فيهم الكفاية والقدرة، ويتولى العمدة أمانة اللجنة، وتعقد اللجنة جلساتها بصفة دورية، تناقش فيها الحاجات والقضايا والرؤى ذات النفع العام للحي وساكنيه، ويتم التنسيق والتشاور مع المؤسسات الحكومية مثل مديري المدارس وأئمة المساجد والشرطة والبلدية وغيرها من جهات الاختصاص ذات العلاقة بشؤون الحي وضبطه وتطويره.
إنَّ تفعيل دور (العمد) يحكم السيطرة على المنافذ والأبواب التي أدت إلى تفشي ظاهرة التعدي على النظام، وارتكاب الجرائم، وإيواء الهاربين والتستر عليهم، وإدارة الفساد بكل صوره التي تتنافى مع الأخلاق والقيم والقانون؛ لأن كل هذه المخالفات وغيرها تتم في أماكن ومقار غفلت عنها عين الرقيب، فإذا هي بيئات خصبة ترعرعت فيها المخاطر ونمت بشكل مخيف، وعاضد غياب عين الرقيب موت ضمائر هؤلاء المخالفين؛ ما هوّن عليهم التمادي في مخالفة الأنظمة، والإفساد في الأرض.