Al Jazirah NewsPaper Friday  16/05/2008 G Issue 13014
الجمعة 11 جمادى الأول 1429   العدد  13014
الباحث الشرعي الشيخ عادل العُمري ل(الجزيرة):
المواعظ في الأفراح ليست من هدي النبي ژ ولا أصحابه

بريدة - خاص ب(الجزيرة)

أكد فضيلة الشيخ عادل بن محمد العُمري الباحث الشرعي والمحاضر بقسم الدراسات القرآنية بجامعة القصيم أن ضرب الدفوف والتغني في الأفراح ووجود (الطقاقات) هدفه إدخال البهجة والسرور والفرح على العروسين والمدعوين، وقال: إن من هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الأفراح، وأضاف: وليست الأفراح مكاناً للوعظ والإرشاد لأن هذا ليس بحالها ولا وقتها، بل الوقت للفرح والسرور، وأشار الشيخ العُمري إلى أن الورع الذي يتذرع به بعض الفضلاء من المشايخ والشباب بعدم دخول مكان العرس أو تناول العشاء لأن فيه ضرب دف أو وجود (طقاقات) ليس في محله!!

* في البداية سألنا العمري لماذا يحرض بعض الملتزمين أو الدعاة عن الأعراس والحفلات التي يكون فيها غناء أو ضرب بالدف هل يستندون في ذلك إلى رؤى شرعية؟!

- قال: لا أدري لماذا يستنكر بعض الفضلاء والفاضلات ضرب الدفوف والتغني في مناسبات الأعراس والأعياد ونحوها مع أنه سنة من سنن المصطفى- صلى الله عليه وسلم- عن عائشة: (أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِنى تغنيان وتضربان بالدف (وفي رواية: بغناء بعاث وفي رواية: أنهما جاريتان وفي رواية: قينتان تغنيان) قالت: ورسول الله- صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبوبكر وقال: مزمار الشيطان ببيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكشف رسول الله عن وجهه وقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) والحديث برواياته السابقة في صحيحي البخاري ومسم، والحديث صريح في إنكار النبي- صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر رضي الله عنه استنكاره وجود هاتين الجاريتين المغنيتين.

ويؤخذ من الحديث جواز سماع الرجال ضرب الدفوف؛ فالحديث صريح بعدم إنكار النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يأمر عائشة أن تخرج هاتين الجاريتين من البيت بل تركهما يضربان بالدف وهو يسمع، حتى الإمام أحمد- رحمه الله- نص على ذلك، على أنه للرجال والنساء كما نقله عنه صاحب الفروع، قال ابن العربي: (ليس الغناء بحرام (يعني في العرس والعيد): لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حضر ضرب الدف ولا يصح أن يكون ذو هيئة وجاه أعظم من النبي- صلى الله عليه وسلم-) وجاء في شرح مختصر خليل للخرشي: (وسواء كان هذا المدعو (يعني للنكاح) من ذوي الهيئات (أي الجاه) أم لا فإنه عليه الصلاة والسلام حضر ضرب الدف ولا يصح أن يكون ذو هيئة أعلم وأهيب من النبي عليه الصلاة والسلام).

ويقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: (قد كان في شرع من قبلنا ضرب الدف في لعيد، وهذا مشروع لنا أيضاً في حق النساء لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام منى ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- مضطجع مولى ظهره إليهم ووجهه إلى الحائط، فلما دخل أبوبكر (جرهن، وقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: (دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) وهكذا يشرع عندنا في الأعراس، ولقدوم غائب)، ويقول عبدالغني النابلسي في إيضاح الدلالات: (ويلزم من هذه الأحاديث إذا قلنا بإطلاق التحريم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل حراماً أو أمر به، ومن ظنّ ذلك بنبيه فقد كفر، وقد ثبتت النصوص بضرب الدف بحضرته، وغناء الجاريتين في بيته، ورقص الأحباش في مسجده، وإنشاء الشعر بالأصوات الطيبة بين يديه).

هناك من يرى غير ذلك؟!

نحن نستدل بأقوالنا مما جاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد ورد أنه قال عليه الصلاة والسلام: (فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم في المستدرك وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع.

وهذا ما جعل الإمام النووي في كتابه المجموع يكاد يجزم بوجوب ضرب الدفوف في الأعراس حيث قال: (وأقل ما يفيده هذا الحيدث هو الندب)، فالنووي يخبرنا بأن ضرب الدفوف أمر محسوم الاستحباب، لكنه استشكل هل هو واجب أم سنة.

وجاء في صحيح البخاري عن عائشة، أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو) قال ابن بطال في شرح البخاري: (اتفق العلماء على جواز اللهو في وليمة النكاح، مثل ضرب الدف وشبهه ما لم يكن محرماً، وخصت الوليمة بذلك ليظهر النكاح وينتشر فتثبت حقوقه وحرمته.. وقد سئل مالك عن اللهو يكون فيه البوق، فقال: إن كان كبيراً مشتهراً فإني أكرهه، وإن كان خفيفاً فلا بأس بذلك).

وبين ابن حجر في الفتح أن المقصود باللهو ما جاء في رواية شريك: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني) قال ابن حجر: (وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال: إنه رخص لنا في اللهو عند العرس) الحديث وصححه الحاكم، وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقيل له أترخص في هذا؟ قال: نعم، إنه نكاح لا سفاح، أشيدوا النكاح، وفي حديث عبدالله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: (أعلنوا النكاح) زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: (واضربوا عليه بالدف) وسنده ضعيف) انتهى كلام بن حجر.

وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: جاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فدخل حين بنى علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر: إذ قالت إحداهن، وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: (دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين).

قال ابن بطال في شرح البخاري حول هذا الحديث: (قال المهلب: السنة إعلان النكاح بالدف والغناء المباح؛ ليكون ذلك فرقاً بينه وبين السفاح الذي يستسرُ به، وفيه: إقبال العالم والإمام إلى العرس وإن كان فيه لعب ولهو ما لم يخرج اللهو عن المباحات فيه).

وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح وافعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدف) رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة قال العجلوني في كشف الخفاء (له شواهد فيكون حسناً لغيره بل صحيحاً على ما سيأتي، فمن شواهده ما أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه عن محمد بن حاطب بلفظ، (فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف والصوت في النكاح) وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير.

قال بن حجر الهيتمي: (وفيه إيماء إلى جواز ضرب الدف في المساجد لأجل ذلك فعلى تسليمه يقاس به غيره، وأما نقل ذلك عن السلف فقد قال الولي أبو زرعة في تحريره صح عن الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وابن دقيق العيد وهما سيدا المتأخرين علماً وورعاً، ونقله بعضهم عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي- رحمه الله- تعالى وكفاك به ورعاً مجتهداً، وأما دليل الحل لما ذكر ففي البخاري أنه سمع بعض جوار يضربن بالدف وهي تقول: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: (دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين). وفي سنن الترمذي وابن ماجه أنه لما رجع من بعض غزواته اتته جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله تعالى سالماً أن أضرب بين يديك بالدف، فقال لها: (إن كنت نذرت فأوف بنذرك).

* هل هذه الروايات لا يعرفها الدعاة وطلبة العلم؟

- أذكر هذه الروايات لما رأيت كثيراً من الناس والشباب يستنكر وجود الدفافات (الطقاقات) ويعتبره حراماً أو على أقل تقدير من باب الورع، حتى إن بعض النساء تهجر هذه الأعراس، وتشترط للحضور عدم وجود هذه الطقاقات، وفي مجتمعنا الكثير من الناس من يمنع ضرب الدفوف في أعراس بناته وأخواته، وللأسف أن بعض الفضلاء يرفض الدخول للعشاء إذا سمع صوت الدفوف في العرس، أي ورع هذا وقدوتنا محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي سمع الجاريتين وهما تغنيان وتضربان بالدف، ولم ينكر عليهما كما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها.

* وماذا عن باب سد الذراع الذي يتسلم به بعض المشايخ من الدعاة وطلبة العلم لمنع الدفوف والغناء؟

- للأسف بعض الدعاة يرى المنع من ذلك من باب سد الذرائع، والحقيقة أن الذرائع المفضية إلى الحرام تكفلت الشريعة بضبط بابها في كل ما كان معهوداً زمن التشريع، وما مات النبي- صلى الله عليه وسلم- على أمر موجود فلا يملك أحد إلغاءه يوضح هذا حديث سالم بن عبدالله قال سمعت عبدالله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها)، قال فقال بلال بن عبدالله، والله لنمنعهن، قال فأقبل عليه عبدالله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط، وقال أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن) رواه مسلم في صحيحه.

وقد علل بلال بن عبدالله ما رآه بسد الذريعة، فقال كما في رواية للقصة من طريق مجاهد عن ابن عمر: (لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلاً (أي خداعاً وسبباً للفساد) قال فزبره (أي نهره) ابن عمر وقال أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا ندعهن).

* وما هو المقصود من ضبط الاستعمال للدف والغناء في الأفراح؟

- المقصود ضبط استعمال سد الذرائع فلا يقال بإطلاق: نحسم مادة الفساد فنمنع من كل ذريعة توصل إليها أو توقع فيها، كما فهمه بلال بن عبدالله وأنكره ابن عمر، بل يقال وهو المفهوم من كلام ابن عمر: إن كانت المرأة تجاوزت في خروجها إلى المساجد بفعل ما لا يحل، فليس طريق منعها من الخطأ أن تمنع مما شرع الله لها ورسوله، وإنما يحال بينها وبين ذات ذلك الخطأ، وكذلك يجب أن يكون الأمر في كل تجاوز لأي أمر مشروع يمنع من ذلك التجاوز لا من الأمر المشروع، وبهذا نستطيع أن نمنع مادة الفساد، وأن تحافظ على الأمر المشروع فما أكثر ما حيل بين الناس وبين كثير من المشروع الذي لا يختلف على مشروعيته بسبب الاستعمال الخاطئ لسد الذرائع.

* هناك من يفضلون الوعظ والإرشاد في الحفلات لمناصحة الناس؟

- بالنسبة للوعظ في الأعراس، فلم يكن من هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا من هدي أصحابه والسلف الصالح، فالمناسبة مناسبة فرح وسرور وليس وقتاً للوعظ والإرشاد، يقول الشيخ محمد بن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: (والمعروف أن الناس في الزواج يأتون ليظهروا الفرح والسرور وإدخال السرور على المتزوج، ورؤية بعضهم بعضاً، وربما لا يرى بعضهم بعضاً إلا في هذه المناسبة، ويكون عنده من الكلام ما يحب أن يتفرغ له، فيصبح هذا الذي تكلم وأطال مملاً للناس، ثم إننا نعلم أنا لسنا أحرص على إبلاغ الناس وإرشادهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومع هذه ما علمنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يقفون ليعظوا الناس في مثل هذه المناسبات، بل قال النبي صلى الله عليه لعائشة وقد زفت امرأة لرجل من الأنصار: (ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار قوم يعجبهم اللهو) وهذا يدل على أن المسألة مسألة فرح لا مسألة وعظ)، وقال أيضاً: (أما أن تجعل هذه المناسبات موضع مواعظ بدون أن يكون الناس يتحرون هذا الشيء، وعلى غير هدي السلف الصالح، فهذا شيء مما ينظر فيه، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة حتى لا يملهم).

* يتصور البعض أن الدعاة أعداء الأفراح والأعراس؟

- إن الواجب علينا معاشر الدعاة أن نتعامل مع الأفراح على أنها أفراح وألا نكون أعداءً للفرح، يقول بن القيم في روضة المحبين: (ولما كانت النفوس لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا بإعطائها شيئاً من لذة اللهو واللعب بحيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ما هو شر لها منه رخص لها من ذلك فيما لم يرخص فيه لغيرها، كما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جوار يضربن بالدف فأسكتهن لدخوله وقال هذا رجل لا يحب الباطل فأخبر أن ذلك باطل ولم يمنعهن لما يترتب عليه من المفسدة).

* أليس منع الغناء وضرب الدفوف نوعا من الورع؟

- إن التضييق ليس دائماً ورعاً، وليست التوسعة إباحية، إنما الورع الحقيقي هو في الوقوف عند حدود الشرع، والفقه فهم النصوص الشرعية، وردها إلى مقاصد الشريعة الأصلية التي يسميها الأصوليون والفقهاء، حفظ خمسة أمور (الدين والنفس والعقل والمال والنسل) وهذه الأمور إن اختل أحدها اختلّ من الحياة استقرارها، وأخيراً أقول: إن النفس يجب أن تحفظ؛ فأبيحت الطيبات من الدنيا لرعايتها.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد