Al Jazirah NewsPaper Friday  16/05/2008 G Issue 13014
الجمعة 11 جمادى الأول 1429   العدد  13014
بلاد الحرمين: الضوابط الشرعية والثوابت المرعية
د. عبدالوهاب رجب هاشم بن صادق *

نتيجة للعولمة والانفتاح غير المقنن فإن هناك البعض ممن يعتنقون فكر حرية الرأي العفن والشفافية المبتورة والمطلقة والتي لا تستند بأي حال من الأحوال إلى الضوابط الشرعية، والذين ينطلقون من قناعات زائفة لا أصل لها ولا فصل من الدين والمنطق، وبحجة الحرية والشفافية العوراء انطلقوا لينشروا سمومهم عبر وسائل الإعلام المختلفة وفي جلساتهم الخاصة لتدمير الشباب ونشر الفساد وتحرير المرأة من قيود الطاعة وعدل الإسلام وسماحته إلى مهاوي الرذيلة والفسق والفساد. ولنا في القرآن الكريم وسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم القدوة الحسنة مما ننعم فيه في هذا البلد الطاهر من خير وفير وأمن وأمان واستقرار وذلك في قوله تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}،وقوله تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (57) سورة القصص وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}(67) سورة العنكبوت، ومما جاء عن المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الأحاديث البليغة في فضل مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويدعي حماة الرأي والفكر الزائف أنهم يدافعون عن المجتمع بكافة شرائحه حتى أنهم ينصبون أنفسهم دعاة عن المرأة وحقوقها المسلوبة كما يزعمون، وهم في ذلك أفاكون وكذابون وخائنون للمرأة وحقوقها، وقد انساق وراءهم كذلك من خدعوهم بقولهم حسناوات واللاتي تتقيأ من أفكارهن المشوهة وسائل الإعلام المختلفة في الوقت الراهن. إذا تم تطبيق الضوابط الشرعية في مجال المرأة وحقوقها المشروعة وعملها بعيداً عن الاختلاط مع الرجال يتحقق دورها الفعلي وأنها نصف المجتمع، فلم يغفل الإسلام دورها عند تحقيق الضوابط الشرعية. إن ما نراه اليوم من تبرج وسفور صارخ لبعض النساء في المستشفيات والأسواق وفي وسائل الإعلام المختلفة لا تقره الضوابط الشرعية ولا يستند بأي حال من الأحوال على ضرورة من الضروريات لمشاركة المرأة وإبراز دورها، بل يعتبر إهانة للمرأة في كونها سلعة جمالية تباع وتعرض للقاصي والداني. لذلك احذري أختي الفاضلة من دعاة حقوق تحرير المرأة الناقصة والتي يسعون من خلالها إلى تحرير المرأة ليصلوا إليها عن طريق الشهوات، فكرامة المرأة في الإسلام تتضح من خلال معاملتها كإنسان، حيث يظهر تقديرها التقدير العظيم في كونها الأم والأخت والابنة والزوجة وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(1) سورة النساء ولقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(19) سورة النساء ولقوه صلى الله عليه وسلم: (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم) رواه الترمذي ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي. ومن العجائب أن دعاة تحرير المرأة يضربون الأمثلة الكثيرة بالصحابيات ومشاركتهن على سبيل المثال في ميادين القتال لسقاية العطشى ومداواة وإسعاف الجرحى ويطالبون النساء في الوقت الراهن بالتمرد على المجتمع والخروج إلى ساحات العمل بعيدا عن الضوابط الشرعية، ولا يخفى على الجميع ما نراه في الوقت الراهن من تبرج وسفور لا يسر العدو فضلا عن الصديق فأين هي الضوابط الشرعية؟ إن دعاة الإصلاح المزيفين عليهم اليوم تأكيد حب الوطن وذلك عن طريق إيجاد الحلول الناجحة لحماية الشباب من الانحراف، وليس عن طريق نشر القصص والروايات الساقطة والمهيجة للجنس التي تشجعهم على التمرد على قيم الإسلام السمحاء. أما وسائل الإعلام فقد استخدمت المرأة كسلاح لخداع أختها وذلك عن طريق تشجيع التبرج والسفور والاختلاط وبث المواعظ الرديئة لتحريضها على الخروج عن المألوف باسم الحرية والتقدم، ففي بعض وسائل الإعلام هذه الاستشارات والقصص الساقطة للفتيات عن الحب والمعاشرة الجنسية والتفلت من القيم الإسلامية والتي يخجل من قراءتها وذكرها الإنسان.

أين دعاة الحرية المفلسين من قضايا الفساد الإداري والمالي والرشوة والمشكلات المرورية وقضايا الشباب وتقسيط السيارات ونزلاء دور المسنين ومستشفيات الأمل والسجون، هل نجد الجواب منهم حتى يتأكد لدينا حبهم لهذا الوطن المعطاء تأكيداً لدعوة ولاة الأمر حفظهم الله تعالى وسدد خطاهم لما يحب ويرضى على ضرورة التناصح وتقديم الحلول لمشكلاتنا المزمنة والمستعصية. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(59) سورة النساء، تلك هي تعاليم الإسلام الحنيف في التعامل مع الشبهات التي تكتنف المسلمين في الوقت الراهن والتي تتطلب الإذعان لما ورد في الكتاب والسنة من ضوابط شرعية حول التعامل معها لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(26) سورة النساء، ولكن تأبى نفوس التغيير الشريرة والحاقدة ذلك فتمضي في طريقها لتحقيق مآربها الدنيئة مفضوحة ومكشوفة لقوله تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}(27) سورة النساء. وليرى دعاة الحرية الماسخة كيف يخاطب القرآن الكريم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم العفيفات الطاهرات في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(33) سورة الأحزاب، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(59) سورة الأحزاب، فكيف حال نساء بعض المسلمين في الوقت الراهن، فإذا كان التوجيه الرباني لنساء النبي، أفلا يكون من الأولى ذا خير وفلاح لعامة نساء المسلمين؟ دونا نتأمل مقال تلك المرأة التي تهاجم أخواتها في الله المحبات والمطيعات لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تفسر آيات القرآن الكريم على هواها ولننظر ماذا تقول في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(33) سورة الأحزاب، حيث تقول إن هذا خاص بنساء النبي دون نساء المسلمين ولم تعلم بالقاعدة الشرعية بالأخذ بعموم اللفظ لا في سبب التنزيل وخصوصا في هذه الآية وغيرها من بعض الآيات في القرآن الكريم، ثم تستمر في المغالطة لتفسير الخطاب الموجه من الأخوات والأمهات الصالحات العفيفات لولي الأمر حفظه الله تعالى ويسر له البطانة الصادقة والصالحة ووفقه لما يحب ويرضى بقولها: (تجاهل الخطاب متغيرات الواقع الاجتماعي الراهن، ففي الوقت الذي تشهد فيه بلادنا انفراجا في موضوع المرأة الذي ترجمته وقائع كثيرة حدثت خلال أشهر قليلة مضت بعد سنين طويلة من العزلة والإقصاء).

المرأة في بلاد الحرمين ولله الحمد لم يتم عزلها وإقصاؤها حسب تأكيدات ولاة الأمر حفظهم الله تعالى، وإنما كانت ولا تزال ذات دور مؤثر وفعال وخصوصا في مجال الأسرة وشؤونها، كما أنها عاملة ومنتجة ولكن في ظل ثوابت الدين الإسلامي الحنيف والتمسك بالآداب العامة للشريعة الإسلامية.

كما نذكر دعاة الشفافية والحرية الزائفة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(21) سورة النور.

ونذكرهم أيضا بقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(76) سورة النحل.

* أستاذ التلوث الميكروبي البيئي كلية العلوم- جامعة الملك سعود



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد