فوزية ناصر النعيم - عنيزة
حينما أموت.. أريدكم أن تتلوا على قبري سورة البقرة واختتموها بيس والأنفال فقد كنت أقرؤها لأستعين بالله على همي.. ثم اطرقوا الأبواب التي كنت أطرقها واطلبوا منهم أن يهيلوا على قبري الدعاء.. ثم أمسكوا بالأيدي التي كنت أوصد بابي عن طرقها.. وأخبروهم أنني لم أقصد الهروب والنسيان ولكن قلبي كان معلقاً بأوتاد مهجورة.
وإن حملتني الأكتاف التي أخشى عليها التعب وأشفق عليها من لحظة زفير وشهيق ممزوجة بالأنين والألم.. فدعوها تهب نعشي للمحيطين الذين يملؤون الساحة لوداعي فما عشت على أكتافهم في حياتي ولا يعنيني إن حملتني لحظة الموت.. وفتشوا في جسدي عن شظايا القنابل الموقوتة التي كانت تفجّر راحتي وتنشر في شراييني القلق.. عليها.. وعليها.. وعلى أحبتي وأفراد قلبي.. وحينما أهمس في بعض الآذان التي أثق فيها وأوصيها بأحبتي الذين سيتعبهم رحيلي تأتيني الشكوى والاعتراض على وصيتي ممزوجة بالدموع التي تحرق كبدي ويظنون أننا معمرون فيها.. قل كل من عليها فان.. فيارب يا ذا الجلال والإكرام لا تقبض روحي إلا على عمل تحبه ويبيض وجهي حينما تبيض وجوه وتسود وجوه..
وكأني بالدموع تملأ ساحة صفحتي.. لا تبكوا أحبتي.. وفتشوا بين أعضاء جسدي عن الصندوق الأسود الذي يحدثكم عن التفاصيل ولا تأبهوا بما يحتوي فقد تجدونه مملوءاً بالشجن والغبن وسلسلة طويلة من الهزائم والانتصارات، فتشوا فيه عن أسباب رحيلي وستدركون أنني عشت ردحاً من الزمن أتوسل الأحداث أن تكف مخالبها عني وأولئك الذين لا يظهرون في حياتي إلا ساعة الفرح لينغصوها.. تلك حمية الجاهلية.. لا تظهر إلا عند الثقوب وتحيد عن الأبواب والنوافذ وكأن أبا جهل بمساحة منكبيه حملهم عليها من قرن إلى قرن.. أولئك الذين لا يأتونني إلا ليمارسوا الضغوط ويقيسان على أكتافي قدرتهم.. وفي ساعة العسرة يولون الدبر.. وما رأيت منهم من يطبطب على كتفي حينما تفيض مدامعي.
تلك الأبجدية التي يرسمون عليها وجودهم (أسد علي وفي الحروب نعامة) ما صفقت لهم يدي يوما وما برئ على أناملهم جرحي.. وحينما يقرؤون الأبجدية من الياء قبل الألف وتتقلب الموازين يخيطون جرحي بإبرة صدئة دون أن يخدروا ألمي.. علمتهم السلطة المسلوبة أن يتفننوا بكل أدوات الألم.. بدءًا بالآاااه وانتهاء بربي أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.. تعلمنا ألا نلتقي وعلموني ألا أصفح عن أخطائهم.. إلا إذا تدلت عاطفة الحنان من بين أهداب عينيّ.. رفعنا أشرعتنا واستعنا بمجاديف الغرق واستفتاني البحر في أي اتجاه تعصف رياحه. كنت أصنع من أضلعي أشرعة لهم وبكل متني حد الألم وأنا أجادل البحر فيهم ما كنت أستطيع أن أنظر إليهم وهي تمارس عليهم قوة المد والجزر.. وهم من أجلي أصبحوا مثل البحر في غدره (وهمه) وحزنه.. وعمقه الذي يغيّب ملامحي ويسرق سعادتي.. يتهمون جبروتي بقلة الحنين.. وأنا يذبحني حنينهم الجبروت.. ما علمت (قسماً) أن الأنفاس نار الله الموقدة وسيل الدموع الأجاج يلهب مشاعري.. إلا حينما خاب ظني بالأحاسيس والنوايا.. تقول صويحبتي: أشعر بالغثيان من أمثلتهم المثقوبة: يقوولن رب أخ لك لم تلده أمك.. ونحن نتوسل الأخوة بمن جمعنا معهم رحم واحد.. كيف يكون أخي الذي لم تلده أمي.. وأمي تلد أخاً لا يعرف عني حتى تاريخ الميلاد؟ نظرت إليها بصمت.. ويبدو أنها تفهم صمتي.. وعرفت أنني أؤمن بأخوة الروح أكثر من أخوة الرحم.. تلك أحبتي تفاصيل الصندوق الأسود ليس من الضرورة أن يسرقنا الموت فجأة دون سابق إنذار.. فالضغط وسيلة عظيمة من وسائل الانفجار.. فلا تجمعوا شظايا جسدي.. دعوها طعاماً للدّابه.. أما سمعتم عن امرأة دخلت الجنة بسبب كلب؟!!!
قفلة:
لا تقلقوا أحبتي ليس بي داء.. إنما هو هاجسٌ يطرق أبواب أحلامي ويوقظني!!!