إننا نقف من العولمة موقف الحذر من توابعها من خلواتها.. إننا لسنا متلقين فقط لقوانينها وقواعدها ومجرد تابعين إننا لم نكن يوما مستقبلين لمؤشراتها وتوجهاتها دون تأمل وتدبر خاصة فيما يتعلق بالشباب أمل الأمة وصانع المستقبل الموعود.
وإزاء هذا الأمل فنحن نعيش حالة من الاستنفار لتأهيل شبابنا للبناء والتنمية في الآن وما يليه باتجاه التطور والتقدم في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية بل والإعلامية حيث ننافس فيما حولنا ثورة الإعلام الجديد إعلام الفضائيات الذي تمد شبكته على مساحة المعمورة فهو وارد إلينا - غصبا- دون تصريح أو إذن بالدخول، وتبدو إمكاناته لا نهائية نتيجة ثورة الاتصالات الممتدة في سماء اللامنتاه.
إننا نعيش نقلة إعلامية.. معلوماتية.. معرفية.. اتصالية.. إنها نقلة تاريخية عبر الزمن الحياتي المتنقل بين التراثية إلى ما بعد الحداثة.. بين سكونية الإنسان الملتزم إلى حركية الإنسان العلولمي.
الخشية كل الخشية من تحلّق الشباب حول الكونية اللامنضبطة الدافعة به إلى النأي عن النظم والأخلاق والمعايير القيمية السوية والالتزام بالأعراف إلى اللاسواء الثقافي الحمائي إلى اللامنطق الذرائعي للاستسلام التبعي.
ومن أسف أن هذا المفهوم التبعي لمردود الثورة الإعلامية الفضائية الهادرة في غيبة التوجيه التوافقي والإرشاد العلمي الذي يرتقي لمستوى الواقع المعاصر أن تردي البعض من شبابنا في هذه الأسر عبر شبكة النت وصور الهاتف المحمول وتسجيلات أفلام العربي وأغنيات وكليبات الإثارة والاشتهاء الجنسي ومشكلات الشذوذ بأنماطه المختلفة، واستخدام العنف والاعتداء على ممتلكات الغير بالتعرض للنساء وخطف حقائبهم وأجهزة الهاتف المحمول.
ومن عجب أن هذا الإعلام الفضائي -أحد مستهدفات العولمة- يوجه برامجه ورسائله الإعلامية إلى الشباب ليخلع عنه أردية القيم والمعايير الأخلاقية، وإثارة الجدل حول منظومة القيم الثقافية والأصلية، وإغرائه بقيم التحرر والانطلاق من أسر التشبت بكل ما هو ثابت وأصيل إلى حيث التزود الجديد بما هو خاص بالأفق الجديد، ومعطيات الإعلام الجديد، وإمكانات العالم الجديد والاهتداء بالتوجه الجديد ومنهج الإباحية الجديد، وعدم احترام التقاليد، وأمور بعض الشباب -المتلقي السلبي لقيم العولمة- ليس عنا ببعيد.
ومن الشواهد على ذلك ما نراه من رعونة في القيادة لسيارتهم السباقية والتعالي على النظم المرورية بتجاوز الإشارات والسرعات وعدم احترام المارة وعابري الطريق والتفوه بألفاظ لا تليق والتعامل مع أساتذتهم ومعلميهم بفظاظة في التعامل وسفه في الخطاب وغلظة في التناول وجهالة في العطاء وفجاجة في الملبس وخلاعة في الترجل أمام هذا وذاك وتعاطي المنكرات وإدمان المحرمات إلى غير ذلك من سلوكيات يأباها الضمير الإنساني والمجتمعي فكم من ممارسات فيها اختراق وتجاوز للنظم القائمة.
هذا واقع بعض الشباب لا نريد أن نضع رؤوسنا في الرمال وننفيه ولكن علينا أن نتصدى له ونواجهه بأساليب للعلاج شاملة وعلمية مناسبة، وبمنهجية متكافئة متوازنة، وبمواجهة صريحة ومناسبة لمساعدة هؤلاء الشباب بتجاوز صعوبات التوافق، مع الاهتمام الواعي بمسيرة التطور وهو أمر حتمي لا نستطيع الحيدة عنه بأي حال.
ونحن حقيقة نعمل من أجل التطور وها نحن على طريق التنمية المستدامة في خططنا الوظيفية، وها نحن نأخذ بأساليب التكنولوجيا الحديثة، واتساع رقعة التصنيع والإنتاج وأصبحت صادراتنا تعم كثيراً من أسواق العالم وكما نصدر المنتجات المادية فنحن نصدر المنهجية السياسية الرصينة والآداب والأدبيات الرفيعة.
وإن كان ذلك فينبغي علينا أن نضع نصب أعيننا دائما أن العلم هو العامل الحاسم في العالم المعاصر كله اليوم.
وللحق والحقيقة نسجل بكل فخر وامتنان حرص ولاة الأمر في بلدنا الغالي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - سلمه وأدامه الله - على تطوير التعليم ضمن تطوير النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفق استراتيجية متقدمة ويمكنها أن تحدث نقلة كبيرة في دعم نظم التعليم وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في كافة المجالات التي تتضمنها الخطط التنموية ومجالات التطبيق والإفادة منها، وإزاء ذلك نرى ضرورة الاهتمام بالمراكز البحثية وتفعيل دورها ومدها بالكفاءات العلمية اللازمة وتحفيزها أسس منهجية حديثة للسياسات التعليمية بنظم التعليم المختلفة وتنمية المواد البشرية والرفع من مستواها المهني والتأهيلي دون حشو أذهان وأفكار الطلاب بما لا يتفق مع واقعهم الذي يعيشونه وبيئتهم التي ينشؤون ويتربون بها.
والوضع في الاعتبار دائما أن الابتكار والتنافسية هما ركيزتان أساسيتان على طريق تحقيق الاستراتيجية التربوية كما وأن التكنولوجية العالية مع المشروعات الاقتصادية هما أساس التعاون الدولي.
وأن التكامل العلمي والرقي التكنولوجي هما أساس الحياة العصرية في استخدامها للتقنيات الحديثة واستخدام الآليات الحديثة في البحث العلمي ودعم الخطط الإجرائية لبلوغ مرامي الرؤى المستقبلية وخلق التخصصات العلمية الجديدة وتنويعها التي ترتبط بمخطط التنمية الوطنية وأهدافها في تنمية مجالات التنمية المختلفة للإنتاج والخدمات تفعيلاً لرسالة البحث العلمي نحو المجتمع وقضاياه، وبهذا نكون بعون الله نضمن التوجيه التوافقي نحو الإعلام الفضائي.