كنا صغاراً نجتمع في الصالحية حيث منزل العم محمد السعد العجلان -رحمه الله، ذلك المنزل الذي غرسنا فيه خطواتنا وطفولتنا وأياماً جميلة من حياتنا لم تزل في الذاكرة رغم طول السنين حيث جمعتنا في مقتبل العمر، أبو عجلان وأخوه عبدالعزيز وأنا كنا رفقة لم تكد تنفك، وقد عرفته خلالها متسامحاً عطوفاً لا تكاد تغيب الابتسامة عن محياه. حين يلتقي بك تشعر وكأنه لا يعرف في هذه الدنيا سواك، يسألك عن كل شيء في حياتك، وفي أحيان كثيرة لا يكتفي بالإجابات المقتضبة، يصالحك حتى وإن كنت المخطئ. وقد شعرت بإنسانية أبي عجلان حين أصيب ابني عبدالعزيز بحادث سيارة، فقد كان يسأل عنه باستمرار، وحين يسألني عنه كان يدعو له بالصبر والعافية حتى تغالبه الدموع. لم تشغل الدنيا أبا عجلان، ولم تأخذه من الناس، فقد ظل قريباً من إخوته وأخواته وأقاربه حتى آخر يوم في حياته، وحين ابتلاه الله بالمرض العضال لم ييأس من الحياة ولم يجزع بل احتسب وصبر، ولم يُشعر من حوله بمكابدته الآلام، وحقيقة فأنا لم أعجب من سلوك أبو عجلان هذا فقد كان منذ شبابه صبوراً يتجنب إشراك الآخرين في آلامه، بينما يسمح لنفسه بمشاركة الآخرين أحزانهم.
عزائي وعزاء الأسرة في فقيدنا أبي عجلان أنه لم يرحل عن هذه الدنيا وقد أغضب أحداً أو ظلم أحداً، بل إن من عملوا معه قبل سنوات طويلة وغادروا إلى بلادهم ما أن علموا بوفاته حتى اتصلوا ليعزوا فيه ويبكوا على فراقه، فقد كانت إنسانية أبي عجلان حاضرة في قلوبهم، ولذا حين سمعوا بالخبر استشعروا هذا الفراق. عزاؤنا إلى إخوانه عبدالعزيز وسعد وفهد وخالد الذين تربوا في ذات البيت واستظلوا بشجرة الصفات الحميدة التي غرسها والدهم العم محمد -رحمه الله، حين عزيتهم وعزيت أبناءه عجلان ومحمداً وإخوانهما أدركت أن سيرة أبي عجلان باقية. رحمك الله يا أبو عجلان وأسكنك فسيح جناته وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.