Al Jazirah NewsPaper Thursday  03/04/2008 G Issue 12971
الخميس 26 ربيع الأول 1429   العدد  12971
نوافذ
خيمة النابغة
أميمة الخميس

من أعمق نقطة في التاريخ, وحينما كانت قصائد المعلقات تُخط بماء الذهب وتُعلق على أستار الكعبة، كانت الثقافة تربط النص الإبداعي بالمقدس المتسامي والمطلق، حيث كانت تأسس لثقافة تقوم هويتها الحضارية على بيوت اللغة، ومضارب الكلام.

تومض خيمة النابغة الذبياني الجلدية الحمراء، (التي كان يضربها في سوق عكاظ) في المخيال الجمعي، لتؤمها الركبان من أصقاع الأرض، وتصنع حولها مجالاً حيوياً لم يندثر وما مسابقة شاعر المليون التي التف حولها القوم إلا الحفيدة الصحراوية المشعثة التي انحدرت من تلك الخيمة.

وظل النص الإبداعي مرتبطاً لفترة طويلة بالحكم القيمي، منطلقاً في أسسه الفكرية من النظام القبلي الأبوي المتدرج من الأدنى صعوداً إلى الفحل الكبير المتسامي في هالة المقدس، فكان كتاب طبقات فحول الشعراء يتسنمه الملك الضليل، أول من وقف وأوقف وبكى واستبكى.

وظل النقد الأدبي لفترات طويلة مكبلاً بالمنظار القيمي الطبقي في مقاربة النص وتقييمه، بل إن كلمة نقد، مشتقة من تمييز الرديء والجيد من النصوص كما يميز المعدن الأصيل من المعدن الخسيس.

أطلال هذة الفسيفساء اللغوية الفاخرة الممتدة عبر طبقات التاريخ، والمطوقة بإرث منسوج بحرفية الصائغ ......... حاصرها الزمان وهلهلتها عوادي الدهر.

فنهر الكلام لا بد أن يظل منهمراً متدفقاً متبدلاً متغيراً، تماماً كمادة الحياة نفسها، التي تتفلت من الأطر، وتتأبى على القوانين المطلقة، مهرولة بموازاة تطور المعرفة والتفكير النقدي أيضاً.

وباتت العلاقة بين النص والناقد اليوم ليست تلك العلاقة الفوقية بين الصانع والحلية، أو بين البائع والسلعة، التي تراوح مابين الخلقي النفعي والجمالي.

لكن توسلها الخطابات الفلسفية العالمية، وأنساقها المعرفية، جعل العلاقة بين النص وغابات النقد تتحول إلى مغامرة وجودية كبرى، يوظف فيها الناقد جميع المتاح له من أدوات الكشف والاقتحام، فيتقاطع مع النص، أو يتعارض معه وأحياناً قد يقلب له ظهر المجن، ولكن في كل الحالات، سينشأ على هامش هذه المقاربة، نص ثالث، مهجن بدماء الدهشة والغرابة، تماماً كما يقول عنه باختين بأن (الرواية هي شكل لم يكتمل) أي ينتظر الناقد ليكتمل على يديه.

والنادي الأدبي في الرياض عندما يضرب خيمته الحمراء المتوهجة، ويحشد لمؤتمر النقد الأدبي الثاني، وينظم أوراق العمل، ويستقطب الأسماء الفاعلة في المشهد الأدبي، إنما هو ينقب إرثاً ما زالت تومض عروقه في مناجمنا العريقة، ولكن بأدوات ومعاول صقلتها الكلمات وأرهفتها الأحرف.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد