منذ أن سطع نجمُ الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- في الساحة السياسية للجزيرة العربية بعد استرجاعه لملك آبائه وأجداده، ناشراً الأمن والطمأنينة والعدل في ربوع البلاد المترامية الأطراف، تسابق إليه الشعراء من البادية والحاضرة للثناء عليه، وخلَّدوا سيرته شعراً لا يزال مسطَّراً في صفحات تاريخنا الأدبي، وفي مقدمة هؤلاء الشعراء الشاعر: محمد بن عبد الله آل عثيمين -قدّس الله روحه -، ولا أصدق من تصوير هذا الشاعر لظهور الملك عبدالعزيز في وقت كانت فيه البلاد أحوج ما تكون لنشر الأمن والنظام وإزالة الخوف والفوضى لحكمة أرادها الباري - عز شأنه - أن تكون البلاد على موعد مع هذا القائد الجديد الذي غيَّر حالها: |
ملكٌ تجسَّد في أثناء بردته |
غيثٌ وليثٌ وإعطاءٌ وحرمان |
خبيئة الله في ذا الوقت أظهرها |
وللمهيمن في تأخيرها شأن |
ودعوة وجبت للمسلمين به |
أما ترى عمهم أمن وإيمان |
حاط الرعية من بُصرى إلى عدنٍ |
ومن تهامة حتى ارتاح جعلان |
وقد لاقى شعر ابن عثيمين الاهتمام من المتذوقين لأدبه، وفي مقدمتهم الشيخ الأديب سعد بن عبد العزيز آل رويشد -شفاه الله - إذ جمع شعره وأصدر ما عثر عليه وسمَّاه: (العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين) (1)، وصار معيناً ينهل منه الدارسون على اختلاف مشاربهم ورؤاهم، وقد أحصيت ما أُفرِدَ به هذا الشاعر وإنتاجه الأدبي من مقال منشور أو كتاب مطبوع أو دراسة أكاديمية، ورتبتها في قائمة حسب التسلسل التاريخي على النحو التالي: |
|
1- من شعراء العهد السعودي: محمد بن عثيمين، عبد الرحمن بن حسن النفيسة، مجلة المنهل، ج20، ع4، ربيع الثاني 1379هـ. (2) |
2- الشيخ محمد بن عثيمين شاعر الجزيرة العربية، د. محمد عبد المنعم خفاجي، مجلة التضامن الإسلامي، ع4، س27، شوال 1392، نوفمبر 1972م، ص 185-188. |
3- الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين، مجلة الدارة، س2، ع3و4، شوال 1396هـ. (3) |
4- خطابان صادران من الملك عبدالعزيز بشأن الشاعر محمد بن عثيمين، مجلة الدارة، س3، ع1، ربيع الأول 1397هـ. (4) |
5- شاعر من السعودية: محمد بن عثيمين، بقلم د. عبد الله بن سعد الرويشد، ص113، مجلة الفيصل، العدد (16)، 1398هـ. (5) |
6- أضواء ودراسة لديوان الشاعر الكبير محمد بن عثيمين بعد طبعته الجديدة، الكاتب السابق، مجلة الدارة، س 10، ع 2، محرم 1405هـ. (6) |
7- محمد بن عثيمين: شاعر الجزيرة في العصر الحديث، الكاتب السابق، مجلة المنهل، س 52، ج47، ع443، جمادى الثانية 1406هـ.(7) |
8- محمد بن عثيمين.. شاعر الملك عبدالعزيز السياسي، الكاتب السابق، جريدة الجزيرة، الخميس 23 ربيع الأول 1406هـ، العدد 4816. |
9- ابن عثيمين متبعاً لا مقلداً، د.عبد الله بن محمد أبو داهش، مجلة الفيصل، ع171، س 15، رمضان 1411هـ، ص90. |
10- رائد الشعر والفكر والأدب في الجزيرة العربية وشاعر الملك عبدالعزيز السياسي محمد بن عبد الله بن عثيمين، د. عبد الله بن سعد الرويشد، مجلة الدرعية، س1، ع3و4، رجب وشوال 1419هـ. (8) |
11- روَّاد في تاريخنا الحديث.. محمد بن عبد الله بن عثيمين، د.حسن بن فهد الهويمل، مجلة الدارة، عدد تذكارية بمناسبة المئوية، ع 3و4، س 24، 1419هـ، ص 109. (9) |
12- سيرة شاعر... ابن عثيمين وبعض الكاتبين، د. محمد بن سعد بن حسين، مجلة الحرس الوطني، س24، ع251، ربيع الأول 1424هـ الموافق 1-5-2003 م. (10) |
13- سيرة شاعر.. النثر عند ابن عثيمين، للكاتب السابق، مجلة الحرس الوطني، س24، ع250، صفر 1424هـ الموافق 1-4- 2003 م. (11) |
14- سيرة شاعر.. ابن عثيمين والشعر العامي، للكاتب السابق، مجلة الحرس الوطني، س24، ع252، ربيع الثاني 1424هـ الموافق 1-6-2003 م. (12) |
15- محمد بن عبد الله بن عثيمين.. أحد رواد الشعر والفكر والأدب في الجزيرة العربية وشاعر الملك عبدالعزيز السياسي، جريدة الجزيرة، 29 محرم 1426هـ، العدد 11851، ص 43، د. عبد الله بن سعد الرويشد. |
16- شاعر نجد الكبير: محمد بن عبد الله بن عثيمين، فهد بن عبد الله البريكي، جريدة الجزيرة، رقم 30، العدد 12866، 11-12- 1428هـ، صفحة الرأي. |
|
1- محمد بن عثيمين شاعر الملك عبدالعزيز، السيد أحمد أبو الفضل عوض الله، 1399هـ، دارة الملك عبدالعزيز. |
2- شعر ابن عثيمين: دراسة في الشكل والمضمون، محمود بركات، ط1، 1405هـ. (13) |
3- قراءة في ديوان الشاعر محمد بن عبد الله بن عثيمين، د. عبد العزيز بن عبدالله الخويطر، ط1، 1412هـ. (14) |
4- الشاعر الكبير محمد بن عبد الله بن عثيمين شعره ونثره، د. محمد بن سعد بن حسين، ط1، 1412هـ، دار عبد العزيز آل حسين، للنشر والتوزيع - الرياض. (أفضل ما قرأته مما كتب حول سيرة الشاعر ونتاجه الأدبي، أهداني نسخته زميلي الأستاذ عبد الله بن سعد الدريس مشكوراً). |
ثالثاً: الدراسات الأكاديمية |
1- (بن عثيمين رائد الشعر الحديث في نجد)، نال بها الأستاذ عبد العزيز بن إبراهيم الفريح، درجة الدكتوراه في الأدب والنقد من كلية اللغة - جامعة الأزهر، لم تُطبع بعد. (15) |
2- (محمد بن عبد الله بن عثيمين شاعر الجزيرة العربية في العصر الحديث شعره وفكره)، نال بها الأستاذ عبد الله بن سعد الرويشد، درجة الدكتوراه من الجامعة اللبنانية ببيروت، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، في عام 1422هـ، واستغرق إعداد البحث لهذه الأطروحة 3 سنوات. |
وفي الأسطر الآتية سألقي بعض الضوء على جانب من سيرة هذا الشاعر الكبير، من خلال رسالتين بخطه زودني بصورتيهما شيخي ناصر بن محمد الصياحي (16) - أطال الله بقاءه - توفر لنا نافذةً يُمكن أن نطل بها على الجانب الإنساني من شخصيته والمكانة العلمية المرموقة التي تبوأها شيخنا الأديب محمد ابن عثيمين، وتوفر مصدراً لمعلومات يُستفاد منها في الدراسات التاريخية. |
|
رسالة بعثها ابن عثيمين إلى الإمام عبدالرحمن بن فيصل -طيب الله ثراه- للسلام عليه، ويطلعه فيها على ما شاهده من مشاريع التنمية الزراعية في منطقة الخرج عند زيارته لمسقط رأسه بلدة السلمية، وأشار في رسالته إلى ما وفق إليه الإمام عبدالرحمن من تنفيذ مشروع ساقي عين فرزان، وصار هذا المشروع سبباً في الاخضرار الذي انتشر في بلدة السلمية بعد وصول المياه إليها من العين المذكورة عبر الساقي الذي تكفَّل الإمام عبدالرحمن بعمارته وصيانته، وفحوى الرسالة ذو طابع إنساني، إذ يشير الشاعر من خلالها إلى الظروف الصعبة التي يمر بها أحد العاملين بصيانة ساقي عين فرزان، واهتمام الإمام بأحوال رعيته، وكأنه يحكي بيت جرير الشهير القائل: |
سأشكر إن رددت علي ريشي |
وأثبت القوادم في جناحي |
وهي شفاعة حسنة لما للشيخ من وجاهة ومكانة لدى ولاة الأمور وهم خير من يولي العلم وأهله العناية والرعاية وقبول الشفاعة، يؤيده قوله تعالى (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا) (85) سورة النساء، ونلحظ أنَ ابن عثيمين يشير إلى تجرُّده من هذه بقوله: (ولا نيب صاحب تعرض لا لي ولا لغيري)، ومطمعه في ذلك ما يراه من أريحية وسعة صدر الإمام ورأفته بالمعوزين والمحتاجين من رعيته. |
ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، إلى جناب عالي جناب سني الهمم جميل المكارم والشيم الإمام المكرم والهمام المبجل عبدالرحمن الفيصل المحترم، أدام الله بقاه فيما يسعده ويرضي مولاه آمين بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سلمك الله مرَّينا بلدك السلمية ورأينا الساقي وحمدنا الله وشكرناه على توفيقه لكم لهذه الفضيلة الجسيمة والمنحة العظيمة حيث أحيا الله بك بلداً ميتاً ونشر الله جناحاً قد تساقط ريشه ويوم مرينا رأينا خادمكم مثل الطير المنتَّف ريشه لا يستطيع نهوضاً وبه من الحاجة ما لا يُشتكى إلاَّ على الله ثم عليك لأنك ولله الحمد والد اليتيم وكافل العاجز وطلب منَّا نبهكم على ما رأينا من حاجته يقول لعله يحصل له زود قويعد (17) وتعرف سلمك الله إنِّي منيب (18) صاحب تعرّض لا لي ولا لغيري ونظرك الأعلى، والسلام عليكم ورحمة الله 12 ذي سنة 1340 الداعي بخير محمد بن عبد الله آل عثيمين). |
تعريف ببعض الأعلام الواردة في الوثيقة |
1- عبدالرحمن الفيصل: هو الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، ولد عام 1268هـ، له أخبار كثيرة في تاريخ نجد الحديث، كُلف بعدد من المهام السياسية ومنها إرسال أخيه الإمام سعود بعد توليه سنة 1287هـ له إلى بغداد لمفاوضة الترك، اضطرته الأوضاع السياسية فيما بعد إلى ترك الرياض وسكن بادية الإحساء مدة، ثم انتقل منها إلى البحرين سنة 1309هـ، واستقر بعد ذلك في الكويت فأقام بها نحو عشر سنوات، وعاد إلى الرياض بعد استرداد ابنه الملك عبدالعزيز لها سنة 1319هـ، وطال عمره إلى أن شهد ملك ابنه عبدالعزيز يمتد من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، ومن حدود بلاد اليمن إلى حدود الشام، وكان ابنه الملك عبدالعزيز يرجع إليه في كل ما يهم من الأمور إلى أن توفي سنة 1346هـ، وكان الإمام عبدالرحمن زاهداً، بعيداً عن مظاهر الترف، وعلى جانب من العلم. (الأعلام للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، 3-32) |
2- السلميَّة: إحدى بلدان (الخرج الشرقية) على مقربة من مدينة الخِضْرِمَة قاعدة الخرج قديماً، ولها ذكر في التاريخ وفي حروب هذه المنطقة حيث جرت بها بعض الوقعات، وبها حصنٌ بناه الإمام سعود بن عبدالعزيز سنة 1195هـ أثناء حروبه في منطقة الخرج، وفي سنة 1351هـ طغى سيل وادي حنيفة، الذي يمر على مقربة من بلدة السلمية فداهمها وخربها، وانتقلت من موقعها القديم إلى الموقع الحالي في عهد الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه-وقد تولى القضاء في هذه البلدة مدة من الزمن، عالم جليل هو الشيخ عبد الله بن محمد الخرجي، وتتلمذ عليه بها الشاعر الفحل محمد بن عبد الله بن عثيمين. (معجم اليمامة، للشيخ الأديب عبد الله بن محمد بن خميس، 2- 28و29، ط2، 140هـ، مطابع الفرزدق - الرياض). |
3- الساقي: مجرى عين فرزان الواقعة جنوب غرب السلمية بجوار مزارع وبساتين، وتحف بها التلال جهة الشمال وتنساب مياه منها بدون استعمال آلات رفع المياه، ويبلغ ارتفاع فتحة العين عن سطح الأرض حوالي 10 أمتار، ووجد في موقعها كثيرٌ من كسر الفخار التي يعود تاريخها إلى العصر الإسلامي المبكر، ويتجه مجراها ناحية بلدة السلمية جهة الشرق ولمسافة 4 كيلومترات، وتعترض هذا المجرى قناطر ترتفع عن مستوى الأرض حوالي المتر ونصف المتر، أما الأبنية حولها فترجع إلى فترة حكم الإمام عبدالرحمن بن فيصل والد الملك عبدالعزيز - رحمهما الله - في آخر فترة الدولة السعودية الثانية وحرص الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- على العناية بها وصيانتها وأقام عليها أناساً متخصصين في صيانة المجرى وتنظيفه، وعين فرزان الآن جافة ولا يوجد بها ماء وآثارها باقية حتى الآن ومحافظ عليها من قبل وزارة المعارف كآثار. (هذه بلادنا: الخرج، الأستاذ سعد بن عبد الرحمن الدريهم، ط1، 1413هـ،36و63). |
|
من المعلوم ما للشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين من مكانة علمية مرموقة تبوأها بين علماء ومشايخ عصره أهلته للقضاء والفُتيا وإن لم يتول منصب القضاء تورعاً، وغلب عليه الجانب الأدبي والتحصيل العلمي الذي تحقق للشيخ بمزاحمة الطلاب في حلق العلماء والمشايخ، والسفر للدراسة على العلماء الأجلاء في عصره داخل نجد وخارجه، فبدأ مشواره الطويل للتحصيل العلمي بالتحاقه في أحد كتاتيب بلدة السلمية، ثم طلب العلم على يد قاضيها الشيخ عبد الله بن محمد الخرجي، ثم استزاد في طلب العلم أثناء تجواله لطلب الرزق في ساحل الخليج العربي ودرس على يد عدد من المشايخ منهم، الشيخ أحمد الرجباني في بلدة أم القيوين بعمان (الإمارات حالياً)، الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع في قطر، وبعد عودته إلى وطنه، رحل إلى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق في بلد العَمَار بالأفلاج. |
يقول الشيخ عبد العزيز الرويشد -شفاه الله- من حديث حدثه به معالي الشيخ محمد سرور الصبان قائلاً: كنت جالساً مع جلالة الملك فيصل - رحمه الله -، في جلسة خاصة، وكان الحديث مع جلالته حول الأدب والأدباء، فقلت لجلالته: هل اطلعتم على شعر ابن عثيمين؟.. ففاجأني جلالته باستنكاره قائلاً: لقد هضمت الرجل حقه، فهو عالم قبل أن يكون شاعراً، فعند ذلك أيقنت أن جلالته يعرف ابن عثيمين تمام المعرفة. وهذه القصة تدل على مكانة ابن عثيمين شاعراً وعالماً، وتدل من جهة أخرى على منزلته عند آل سعود بخاصة ومكانته بين شعراء عصره بصفة عامة. (19) |
نصها : (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله آل عثيمين إلى الأخ عبد الله بن صالح بن دريب وفقنا الله وإياه لإصلاح النية والعمل آمين، بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بلغنا عنك أشياء خالفت فيها أهل مذهبك من غير مسوِّغٍ شرعي ولا برهان عقلي منها أنك تقف بعد إتمام القراءة من الركعة الأخيرة من الفجر ساكتاً ساعة قاصداً بذلك موافقة من خلفك لأنَّهم موالك ويرون القنوت بذلك الحال فهذا خطأ منك واضح وجهل فاضح الإمام يُقتدى به ليس هو الذي يقتدي بمن خلفه والربع (20) الذي أنت تؤمهم قدَّامهم غيرك من الشوافع ولا وافقوهم على خلاف مذهبهم وهالبلد من زمن الشيخ قاسم رحمه الله وأئمتها حنابلة الشيخ الرجباني وعلي بن سلمان وغيرهم ولا أحد خرج عن مذهبه في شيء وإنَّا وغيرنا نصلِّي خلف المالكي والشافعي ونوافقه على ما يقتضي مذهبه ولست أدري أنت إذا سكت تقنت أو تقرأ شيئاً من القرآن غير ما قرأت أولاً وتصمت ففي كل (21) الأحوال أنت مخالف الصواب وقطر من الوكرة إلى أقصى الشمال كلهم موالك أكرهم (22) قاسم الله يرحمه والقلب-الغالب (23) أئمتهم حنابلة ولا أحد منهم خرج عن مذهب قاسم إن كان ما عنده مطوع صلَّى بالناس وقنت على مذهب إمامه مالك وإن كان إمامه حنبلي ولا قدَّامه إلا حنبلي قلَّده لأن الإمام هو المتبوع.. أو ما أحسنت ظن بعلماء الحنابلة وأيضاً تجديد النية عند كل استئناف عبادة باللفظ الظاهر، جملة العلماء من كل أهل مذهب يرون أنَّ هذا ما له أصل وأغلب من اخترعه بعض متأخري الشافعية وهم إنما كانوا يرونه وأهل مذهبك ما يرونه فأخبرني وش يسوغ لك إتباعهم وإطِّرَاح كلام أهل مذهبك وأنا أنقل لك بعض كلام العلماء مما ذكره بن رجب في شرح الأربعين النووية على كلامه على الحديث الأول قال رحمه الله: (والنية هي قصد القلب ولا يجب التلفظ بما في القلب بشيء من العبادات وخرَّج بعض أصحاب الشافعي له قولاً باشتراط التلفظ بالنية للصلاة وغلَّطه المحققون منهم واختلف المتأخرون من الفقهاء في التلفظ بالنية في الصلاة وغيرها فمنهم من استحبه ومنهم من كرهه ولا نعلم في هذه المسائل نقل خاص عن السلف ولا عن الأئمة إلا في الحج وحده فإن مجاهداً قال إذا أراد الحج يسمِّي ما يهل به) إلى أن قال رحمه الله: (وقال أكثر السلف منهم عطاء وطاووس والقاسم بن محمد والنَّخَعِي تجزيه النية عند الإهلال وصح عن بن عمر أنه سمع رجلاً عند إحرامه يقول اللهم إنِّي أريد الحج والعمرة فقال له أَتُعْلِمُ الناس أَوَ ليس الله يعلم ما في نفسك؟ ونص مالك رحمه الله أنَّه لا يستحب له أن يسمِّي ما أحرم به حكاه صاحب كتاب تهذيب المدونة من أصحابه وقال أبو داود قلت لأحمد يعني بن حنبل أتقول قبل التكبير يعني في الصلاة شيئاً قال: لا، قال بن رجب رحمه الله وهذا قد يدخل فيه أنه لا يتلفظ بالنية)، انتهى كلام بن رجب رحمه الله وقد كان رجل من علماء الحنابلة انتقل إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله يُقال له الوجيه فكتب إليه رجل من الحنابلة: |
ألا مبلغٌ عني الوجيه رسالةً |
وإن كان لا تجدي لديه الرسائل |
تَمَذْهَبْتَ للنعمان بعدَ ابنِ حنبلٍ |
وفارقته إذ أعوزتك المآكل |
وما اخترتَ قولَ الشافعي تديّناً |
ولكنما تهوى الذي منه حاصل |
وعمَّا قليلٍ أنت لا بُدَّ صائرٌ |
إلى مالك فافطِنْ لما أنا قائل |
فأنت إمَّا الزم مذهبك وأحسن الظن بعلمائك وإلا انتقل إلى أي مذهب شئت وكلهم على حق وهدى رحمهم الله ونفعنا بعلومهم ولولا اشتغال الخاطر ببعض المرض بسطت الكلام والسلام. |
تعريف ببعض الأعلام الواردة في الوثيقة: |
1- عبد الله بن صالح بن دريب: لم أعثر على ترجمة له فيما اطلعت عليه من مصادر، وهو من أهالي حوطة بني تميم، وأسرة آل دريب من الأسر الكريمة المعروفة فيها، ومنهم الشيخ الدكتور سعود بن سعد آل دريب - رحمه الله -. |
2- الشيخ قاسم: هو قاسم بن محمد بن ثاني (1236- 1331هـ) مؤسس إمارة آل ثاني في قطر على الخليج العربي ولد فيها.. وكانت زعامتها لأبيه (ت 1295هـ) وناب عن أبيه قبل وفاته، وقدَّمه أهلها وتولى إمارتها في الدوحة، وخاض عدة معارك ليمد سلطان دولته ولكنه لم يظفر، ثم انصرفت عناية قاسم بتجارة اللؤلؤ، فكان عنده أكثر من 20 سفينة للغوص، وكان حنبلي المذهب (؟)، فصيحاً، قال فيه بعض مؤرخيه: (كان أمير قطر، وخطيبها الجمعة، وقاضيها ومفتيها وحاكمها)، كان مزواجاً، كثُر أبناؤه وأحفاده، عُمِّر حتى قيل إنه مات عن 115 عاماً، له ديوان شعر عامي مطبوع، (الأعلام للزركلي ج5 ص184-185). |
3- الشيخ الرجباني: هو أحمد بن حمد بن أحمد الرجباني، من علماء نجد المعروفين تولى القضاء والوعظ في رأس الخيمة بعمان.. ورد ذكره في نصوص تملكات كتابين في عامي 1278هـ و1286هـ كتبت في نجد قبل انتقاله إلى أم القيوين في عُمان، ولم أعثر له على ترجمة وافية فيما اطلعت عليه من مصادر متاحة ومن بين تلك المصادر علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام. (معجم أسماء شوارع مدينة الرياض وميادينها، دار الشبل للنشر والتوزيع والطباعة - الرياض، 1-241، إسهام المرأة في وقف الكتب في نجد، د. دلال الحربي، ص 8،31،77 ). |
4- علي بن سلمان: لم أعثر له على ترجمة فيما اطلعت عليه من مصادر متاحة بين يدي، ووجدت له إشارة في ترجمة ابنه القاضي الشيخ عبد الله بن علي بن سلمان، وعلي بن سلمان هو جد عائلة آل سلمان في الشارقة، انتقل إليها في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وكان من الدعاة الذين تحملوا شيئاً من نشر مبادئ الإمام محمد بن عبدالوهاب، وابتُعِث إلى عسير قبل مجيئه إلى الشارقة، وعندما توفي ابنه سلمان وهو من زوجة نجدية حزن عليه حزناً شديداً مما جعله يفكر في الهجرة وعلى ضوئه حضر إلى الشارقة واستقر فيها وتزوج من آل بوشامس وأنجب من زوجته الثانية ولدين وبنتاً، والدان هما :عبد الله وعبد الرحمن، وعزم المترجم على إرسال ابنه الأصغر إلى الرياض ليدرس على يدي الشيخ عبد الرحمن بن حسن في الرياض لكن المنية عاجلته ولم يتحقق هدفه.. نقلاً عن الدكتور سعيد سلمان. ذكر الشيخ سعد بن حمد آل عتيق في رسالته المخطوطة شخصاً التقاه في إحدى مدن سواحل فارس الجنوبية، سمَّاه (علي بن سلمان)، في طريق رحلته إلى بلاد الهند، ولا أدري أهو نفس الشخص أم لا؟. (رجال في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، عبد الله علي الطابور،ج1،ط1، 1993م). |
5- موالك: أتباع مذهب الإمام مالك. |
6- حنابلة: أتباع مذهب الإمام أحمد بن حنبل. |
7- شوافع: أتباع مذهب الإمام الشافعي. |
8- الوكرة: أكبر مدينة بعد الدوحة، تقع على الساحل الشرقي لشبه جزيرة قطر، على مسافة 10 أميال من الدوحة في اتجاه الجنوب الغربي، وقد وصفها بلجريف بأنها مدينة تُضارع مدينة البدع في مساحتها، وإن كانت تتميز عليها بوقوعها على مرتفع على الساحل، وبأنها أكثر بهجة.. والطريق إليها من قطر طريق ساحلي سهل وآمن.. وليس للمدينة ميناء أو خليج وإنما لها ساحل تنتشر فيه الشعب المرجانية ويمتد لمسافة ميل.. وهذه الشعب المرجانية لا تسمح إلا للسفن المحلية الصغيرة بالرسو، أما السفن الكبيرة فتقف على بعد ميلين من المدينة، (التطور السياسي لقطر 1916- 1949م، د. عبد العزيز محمد المنصور، ط2، 1984م، ذات السلاسل - الكويت). |
وفي الختام أضم صوتي إلى الأصوات المنادية بضرورة إنصاف هذا الشاعر الكبير وتراثه الأدبي، وأنه قد حان الوقت لتلتفت إليه إدارة المهرجان الوطني للتراث والثقافة وتتولى على الأقل طباعة ونشر الأطروحتين الأكاديميتين عن ابن عثيمين للدكتور بن الفريح والرويشد، لتوزعا على الزوار في أيام المهرجان، وأن تقوم مشكورةً بإعادة طباعة ديوانه الذي نفد من الأسواق، وهو في حكم النادر الآن ليكون في متناول أيدي القراء. |
|
1- العقد الثمين من شعر محمد بن عثيمين، جمعة وحققه الشيخ سعد بن عبد العزيز بن رويشد، طُبع أربع مرات، الأولى في عام 1375هـ بدار المعارف بمصر على نفقة معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان (وزير مالية المملكة العربية السعودية الأسبق في عهد الملك سعود) - رحمهما الله -، وتوزع مجاناً بالإهداء، الثانية (تصويراً عن الأولى) في عام 1386هـ بمطابع دار العروبة في قطر على نفقة الشيخ أحمد بن علي بن عبدالله آل ثاني، الثالثة في عام 1400هـ بمطابع الهلال للأوفست بالرياض على نفقة الشيخ عبد العزيز بن معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان وإخوانه، بعدد 10 آلاف نسخة وزعت بالمجان ونفذت، الرابعة (تصويراً عن الثالثة) في عام 1420هـ بدار الشبل للنشر والتوزيع والطباعة في الرياض. أهداني نسخة من الطبعة الرابعة الأستاذ الكريم محمد بن سعد بن عبد العزيز آل رويشد.. في يوم الثلاثاء 22-11-1422هـ، جزاه الله خيراً. |
14:2- محرك بحث مكتبة الملك فهد الوطنية على الإنترنت. |
15- ابن حسين، د. محمد بن سعد، الشاعر الكبير محمد بن عبد الله بن عثيمين شعره ونثره، ص152. |
16- هو الشيخ ناصر بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد الصياحي، وأسرة الصيايحة فرع من أسرة آل حاتم، وهي أسرة نجدية عربية كريمة متحضرة تسكن بلدة الغيل.. انتقل أجداده منها إلى حوطة بني تميم واستقروا بها، كما رحل عدد من أفرادها إلى بلد الزبير وساحل الخليج العربي لطلب الرزق واستوطنوا بها، ولد شيخنا في بيت والده بحي البطيحا بحوطة بني تميم سنة 1352هـ، نشأ في كنف والدين صالحين، فأخواله أسرة السبور، ووالده محمد من تجار الحوطة في زمنه، ألحقه والده بكتاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل دبل، فتعلم على يديه الهجاء على اللوح بطريقة القاعدة البغدادية المعروفة في كتاتيب الحوطة آنذاك، وأجاد قراءة القرآن الكريم فأتم على شيخه قراءة خمسة عشر جزءاً، وشهد له شيخه وعمته المطوعة هيا بنت عبد الرحمن بن محمد الصياحي - رحمها الله- بالذكاء وسرعة الاستيعاب، وبعد افتتاح المدرسة السعودية الأولى بحي البديعة ترك كتاب الشيخ عبد الله والتحق بها سنة 1372هـ وبدأ الدراسة بها في الصف الثاني الابتدائي ومديرها آنذاك الأستاذ المربي عبد العزيز بن أحمد الحقباني - أطال الله بقاءه -، وفي سنة 1374هـ قطع دراسته بها في الصف الرابع، وانتقل للعمل بمدينة الرياض في القصر الملكي بالناصرية، وبعد انتقاله إلى مدينة الرياض واظب على القراءة لدى المشايخ، وحضور حلقات الدروس في المساجد، وصار يحضر درساً عند الشيخ محمد بن عيَّاف آل مقرن يقرأ عليه في رياض الصالحين وبلوغ المرام، ودرساً عند الشيخ ابن حنايا الدوسري في العلوم الدينية، وانتقل بعد مدة من عمله السابق إلى العمل في قصر البديعة مندوباً للمالية ومشرفاً على أعمال البناء في القصر براتب قدره 120 ريالاً عربياً من الفضة، ثم ترقى وضُوعِف إلى 240 ريالاً عربياً من الفضة، واستمر بعمله فيه وفي إمامة مسجد قصر البديعة إلى سنة 1402هـ، وعمل في المحكمة الشرعية بالرياض لمدة 11 عاماً ثم ترك العمل الحكومي عام 1396هـ وتفرغ للمعالجة بالرقية الشرعية التي مارسها لمدة 40 عاماً، وشفى الله على يديه مرضى كثيرين، وبسبب تعرض ظهره لإصابة سابقة في حادث انقلاب سيارة، ازداد عليه الألم في ظهره وأجرى عملية جراحية معقدة كللت بالنجاح ولله الحمد، ولكن مضاعفات هذه الإصابة حدَّت من حركته، فاعتزل في بيته وترك المعالجة بالرقية الشرعية، والمترجَم وهبه الله بسطة في الجسم وقوة في الحافظة والبصر، يُبصر هلال أول الشهر في صغره، ثم أصيب بمرض في عينية دام ستة أشهر، ثم عولج بالطب الشعبي بالحمية والكي ونحوه، شفاه الله بعدها وابتلاه بفقد البصر في عينه اليسرى، والمُتَرْجَم من هواة الرحلات البرية واللقاءات الاجتماعية، داوم على لقاء ليلة الجمعة لأكثر من 30 عاماً، يؤنس مجالسيه بما يلقي عليهم من محفوظاته، من قصص وعظية وفوائد وحكم أدبية وقصائد نبطية، خطيب مفوه ذو صوتٍ جهوري، وله شخصية مرحة وبديهة حاضرة لا تغيب عنها الطرفة، طيب المعشر، متواضع، كريم، له أيادٍ باذلة بالعطاء، متذوق للشعر الشعبي، له اهتمامات أدبية وتاريخية، ورأيت له كراس بخطه سجل فيه تواريخ ولادات ووفيات لعدد من أفراد أسرته وما انتقاه من فوائد وطرائف أدبية وأمثال شعبية، وخطبه الشخصية، استفدت كثيراً من مروياته، له عدد من الأبناء والأحفاد، منهم ابنه الأكبر الأستاذ سعد أحد موظفي رئاسة الحرس الوطني، وعبدالمحسن وعبد المجيد ومحمد، أسأل الله له طول البقاء وهو يرفل في ثوب الصحة والعافية. |
17- قويعد: تصغير قاعدة جراية سنوية من بيت المال، عبارة عن تمر أو حنطة. |
|
19- الرويشد، مصدر سابق، المقدمة، ص 11. بتصرف |
|
21- كلمة غير واضحة بعد (في) وأكملتها من عندي حسب السياق. |
22- أكرهم: ألزمهم إتِّباَعَ مذهبِ الإمام أحمد بن حنبل. |
23- كلمة غير واضحة الحروف في التصوير وتحتمل قراءتين أثبتهما في النص أعلاه. |
عبد العزيز بن عبد الله المضحي |
الرياض 11345، ص ب 380694 |
|