منير الحافي - بيروت
هل يمكن القول إن لبنان دخل مرحلة جديدة، مع إرسال الولايات المتحدة الأمريكية، المدمرة (كول) إلى سواحله البحرية؟
سؤال شغل الأوساط اللبنانية على اختلافها، موالاة ومعارضة، وصدر عن كل منهما مواقف، أجمعت على أن مرحلة ما قبل (كول) مختلفة عما بعدها، ولكن بقراءات مختلفة طبعاً.
لنبدأ من أول المعلقين على إرسال المدمرة الأميركية، وهو العماد ميشال عون، رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) النيابي، الذي يمثل المعارضة حالياً في الاجتماعات المشتركة مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. عون الذي كان يجري لقاء تلفزيونياً على الهواء مساء الخميس، وورد الخبر العاجل عن إرسال (كول)، رأى ذلك أنه يأتي في إطار ما سماه (القوة الردعية) الأميركية. وقال: (ليس على علمي أن سوريا تريد حرباً على لبنان ولا على إسرائيل .. هذه الخطوة هي لإظهار القوة الردعية .. ولكن لماذا القلق؟ أنا لست قلقاً).
أما الطرف الأساسي في المعارضة، أي حزب الله، فقد اعتبر على لسان النائب حسين الحاج حسن، أن قرار إرسال المدمرة يشكل (تدخلاً عسكرياً في شؤون لبنان). وقال ل (وكالة الصحافة الفرنسية): إن قرار إرسال المدمرة (أسقط جميع الأقنعة عن التدخلات الأميركية السياسية والعسكرية في الشأن اللبناني التي حاولت قوى السلطة في لبنان التستر عليها).
لكن رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، كان قد سارع إلى استدعاء القائمة بالأعمال الأميركية في لبنان ميشيل سيسون، لاستيضاحها عن قرار تحريك واشنطن عدداً من سفنها الحربية في المنطقة.
وأعلن السنيورة إثر ذلك، أن سيسون أكدت أن مجيء المدمرة وغيرها، يتعلق ب(تحركات روتينية) من أجل (دعم الاستقرار الإقليمي) وأن هذه السفن موجودة في المياه الدولية .. السنيورة، اجتمع أيضاً إلى سفراء الدول العربية في لبنان، وشرح لهم هذا الأمر، نافياً بصورة قاطعة أن تكون حكومته قد وُضعت في جو إرسال المدمرة الأميركية قبل إرسالها.
بدوره، رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تحدث مطولاً إلى محطة تلفزيون محلية ليل السبت، أن وجود المدمرة الأميركية (كول) وبعض القطع من الاسطول الأميركي قبالة الشواطئ اللبنانية هو (عملية تهديد حقيقية وليس مجرد عرض عضلات)، وأن هذا الأسطول (يأتي لمؤازرة إسرائيل لكي تكمل مخططها وأن يتم ما يجب أن يتم في غزة من دون أن يتحرك أحد للمؤازرة). وقال: (إن الإسرائيلي يتحين الفرص للانتقام لهزيمته في حرب تموز (2006) وإن كول آتية في هذا الإطار).
رئيس اللقاء الديموقراطي النيابي، النائب وليد جنبلاط، وفي رد على الاتهامات التي وُجهت إلى قوى الغالبية بأنها (استدعت) الدعم الأميركي العسكري قال: (إن معنويات قوى 14 آذار مرتفعة ولا تحتاج إلى كول).
لكن مصادر في 14 آذار، رأت في القرار الأميركي تحريك (كول) وبعض القطع الأخرى نحو لبنان، بأنه رسالة إلى من يعنيهم الأمر من جيران لبنان، وتحديداً إلى سوريا. واعتبر محللون قريبون من قوى الغالبية، أنه حين يقول الأميركي إن قطعه البحرية موجودة قبالة الشاطئ اللبناني، يعني ذلك أنها موجودة فعلياً (أمام الشواطئ السورية). ورأوا في ذلك، وهذا ما لم يخفه الأميركي بالأصل، أن مجيء كول هو لدعم الاستقرار في المنطقة المشتعلة.
إذاً الموالاة، تعتبر أن المدمرة الأميريكية، رسالة إلى (سوريا وإيران). فيما بعض المعارضة تعتبر مهمتها (لتغطية ما يجري في غزة). وبعضٌ آخر من الموالاة رآها (تدخلاً عسكرياً) في لبنان. فما هو الصحيح؟
تؤكد مصادر مستقلة لجريدة الجزيرة، أن الأيام المقبلة ستحمل حقيقة ما أتت (كول) لتقوله وتفعله أمام الشواطئ اللبنانية، وإن كانت حتى الآن (غير مرئية) بالعين المجردة من الساحل اللبناني. وتضيف أن الولايات المتحدة التي أخطرت حلفاءها الأوروبيين بإرسالها المدمرة، لا شك أنها كانت قد أعطت وقتاً رأته طويلاً، للمبادرات العربية والفرنسية والأوروبية لحل الأزمة اللبنانية، لا سيما لانتخاب رئيس للجمهورية.
ويذكرون بكلام رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الاميرال مايكل مولين، حين سئل عن رابط ما بين إرسال المدمرة والأزمة الرئاسية في لبنان، فأجاب بأن (القول انه مرتبط كلياً بهذا الأمر غير صحيح، وان كنا مدركين تماماً ان انتخابات ستجري في لبنان في وقت ما).
ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الولايات المتحدة تريد القول للأطراف المؤثرة في الساحة اللبنانية أنها ليست بعيدة عن الواقع اللبناني، حتى جغرافياً. فإذا كانت أقرب نقطة أميركية إلى لبنان في بغداد أو مالطا، فهي أصبحت اليوم على بعد خمسة وستين كيلومتراً فقط من الحدود البحرية اللبنانية.