لم يعد خافياً أن القمة العربية القادمة التي يفترض انعقادها نهاية الشهر الميلادي الحالي في دمشق تواجه مأزقاً حاداً قد يؤدي إلى عدم انعقادها أو انعقاد سلبي يعمِّق الانقسام العربي إلا إذا استمعت دمشق لصوت العقل وطلبات دول الحكمة التي تريدها أن تمارس مسؤولياتها القومية والدولية لحل الأزمة المفتعلة في لبنان.
سوريا تعلم أن دولاً عربية لا يمكن أن تشارك في قمة تعقد في عاصمة دولة مسؤولة حتى وإن انحصرت ضمن المسؤولية الأدبية السياسية في تأخير انتخاب رئيس لجمهورية لبنان، وأن سوريا باستطاعتها أن تنضم إلى الفعل العربي بتسهيل عملية الانتخاب وأن يكون للبنان رئيس يشارك في القمة ويسهل مشاركة ملوك ورؤساء دول الحكمة العربية.
تأخر انتخاب رئيس للبنان قد يكون عنوان المأزق العربي الذي يعيشه العمل العربي المشترك نتيجة اصطفاف إحدى أهم الدول العربية خلف مشروع لا يخدم المصالح العربية وإن تخفى خلف عناوين تزعم دعم القضايا العربية كالقضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لأن أصحاب هذا المشروع وبالرغم من رفعهم شعارات تدغدغ العواطف العربية إلا أنهم يقومون وبوضوح على تدمير الهوية العربية القومية، وهناك أفعال لا يمكن أن تمر مرور الكرام ولا تلحظها العين والعقل العربي من تدمير للهوية والانتماء العربي في العراق وفي لبنان وفي فلسطين، وحتى في سوريا الدولة التي تعد إحدى قلاع العروبة تواجه اختراقاً بدأ يظهر بوضوح بتجمعات طائفية ستشكل خطورة على النسيج الاجتماعي وتهدد التوجه العربي القومي الذي عرفت به سوريا منذ عقود وحتى قبل حكم البعث.
إذن فإن محاولة إعادة الالتزام بالمصالح العربية العليا عن طريق الإصرار بإتمام انتخاب رئيس لبنان وقطع الطريق على التدخلات الإقليمية غير العربية، ومنها توظيف الأقطار العربية كدروع لرد الخطر عن نظامها، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بإعادة سورية إلى حظيرة العمل العربي المشترك والقيام بدورها والمعروف عنها لخدمة القضايا العربية العليا ومن أكثرها إلحاحاً الآن قطع الطريق عن التدخلات الأجنبية وإتمام انتخاب رئيس لبنان لإنجاح القمة العربية القادمة في دمشق.
jaser@al-jazirah.com.sa