كنت أود الكتابة عن هذا الموضوع منذ مدة طويلة، خاصة وأنا ربيبة سوريا منذ طفولتي فقد عشتُ فيها أكثر ما قضيتُ في بلادي، وبعد أن غادرتها وأصبحت أتردد عليها بين حينٍ وآخر، كنت أذكر أيام الشتاء القارس، وأنا طفلة ابنة الخمس سنوات، وأرى في الأفق ذاك العادم الأسود الذي كسا مبانيها، ودخان متصاعد من البيوت والحافلات. ولكن لا أعرف لغة التعبير ماذا يكون ذاك الركام الأسود الذي يغطي عنان السماء.
والآن أدركت جيداً ما هو ذاك الدخان الذي كنت أراه ولا أعرف ما هو ؛ لقد أصبح هذا العطر القاتل الذي تهدينا إياه السيارات يزداد يوماً بعد آخر في شوارعنا وطرقاتنا العامة.
فالحافلات تهدينا سمومها المنبعثة منها، إما بسبب خلل في الحافلة أو شيء آخر.
وقد قرأت طرحاً للكاتب عبد العزيز الخضيري يصف فيه مدينة عمان وتحديداً (مسقط)، والتي تمنع أجهزة المرور من سير عربة ينبعث منها دخان أسود، قبل القيام بصيانتها.
مع دفع غرامة مالية لهذا التجاوز الصحي والبيئي.
أما نحن في دولنا العربية فلا زلنا نستمتع بما ينفث في الفضاء من سموم ضارة والتي لها تأثير سلبي على نمو الإدراك لدى الأطفال.
واقرأ ما ذكره الكاتب من تأثير هذا العادم الأسود على الأطفال حين تمتص أجسادهم هذه المادة - الرصاص-؛ فاحتراق البنزين هما من مسببات الاحتباس الحراري، هذا فضلاً عن آثاره السلبية على صحة الإنسان كالصداع وتهيج العينين والربو، وغيره.. كما أن بعض المعادن الضارة المذابة في المطر الحمضي، والتي تمتصها الفاكهة والخضر وأنسجة الحيوانات وتصل بالتالي إلى الإنسان عند تناولها مما يؤدي إلى التخلف العقلي لدى الأطفال، ومرض (الزهايمر) لدى الكبار وأمراض الكلى.
ولعل إدارة المرور مسؤولة عن وجود هذه المركبات التي تهدينا كل يوم عطرها الأسود والتي لونت هواءنا وطرقاتنا وحياتنا.
فمتى نستطيع أن نحيا دون أن نستنشق تلك العطور التي تكاد تودي بحياتنا خاصة ونحن في الألفية الثالثة.
أليس لنا الحق أن نحيا مثل باقي دول العالم الأخرى.. بدون عوادم نأمل.. بل نحلم.. ليتنا نسعى.. فهل يسمع البحر؟.