Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
صحافة الأقاليم هل هي ضرورة؟!
فايز بن ظاهر الشراري

أقامت مؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري الخيرية بالجوف مؤخراً ندوة مهمة حول صحافة الأقاليم كان فرسانها ثلاثة من هامات الصحافة المحلية بالمملكة وهم كل من: الأستاذ خالد المالك والدكتور هاشم عبده هاشم والأستاذ جميل الذيابي، وقد سعدت كثيراً بما تضمنته تلك الندوة وخصوصاً ذلك الاختلاف الإيجابي في وجهات النظر بين فرسان الندوة والذي أضاف الشيء الكثير لهذا الموضوع وفتح نوافذ كثيرة للنقاش حوله.

حيث كان للأستاذ خالد المالك رؤية حول صحافة الأقاليم أو بمعنى آخر الصحافة التي تختص بأخبار منطقة واحدة دون غيرها تلخصت حول أن السعي وراء صحافة إقليمية تحمل مسميات مناطق معينة هو أمر قد يمس الوحدة الوطنية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تدعيم الوحدة الوطنية. كذلك يرى الأستاذ خالد المالك أن عدم وجود كفاءات صحفية ومهنية تدير تلك الصحف هو أمر قد يكون عائقاً أمام نجاح تلك الفكرة في وقت تعاني منه الصحف الكبرى في بلادنا من هذه النقطة تحديداً.

في حين أنه كان للزميلين الدكتور هاشم عبده هاشم والأستاذ جميل الذيابي رأي مخالف لرأي الأستاذ خالد المالك يتمثل في أن إنشاء صحيفة لكل منطقة أمر سيسهم في تغطية أخبار المناطق وسيساعد سكان تلك المناطق في معرفة أخبار مناطقهم حينما يعلمون أن تلك الصحف هي بمثابة الناقل لكل ما يجري في منطقتهم.

وقد كانت لي مشاركة في ذلك التحقيق الصحفي الذي أجرته الزميلة صحيفة الحياة حول تلك الندوة، وذلك من خلال الصحفي المجتهد والناجح الأستاذ عبدالعزيز النبط وذلك في عدديها (16383) و(16386)، حيث أشرت في مشاركتي في صحيفة الحياة إلى أن هناك عوائق تعاني منها بعض المناطق فيما يخص الإعلام والصحافة تحديداً، حيث إن هناك مناطق يعاني سكانها من تأخر وصول الصحف إلى وقت قد لا يشجع القراء على البحث عن الصحيفة وهم يعلمون أن ما تحويه من أخبار قد بردت سخونتها ووصلت إلى خانة الأخبار القديمة.

كما أنني أشرت في مشاركتي في هذا الاستطلاع إلى أن ضيق المساحات التي تخصصها الصحف الكبرى لبعض المناطق هو أمر يعاني منه سكان وصحفيو تلك المناطق على حد سواء، وقد تسبب ذلك في تأخر مستوى التنمية في تلك المناطق والتي لم تجد من يهتم بها وباحتياجاتها من التنمية بالشكل الذي يخدمها في نقل تلك الاحتياجات لولاة الأمر وللمسؤولين.

وما تطرقت إليه في هذا الاستطلاع لا يعني أنني مع فكرة إنشاء صحف إقليمية لكل منطقة بحيث يكون اهتمام تلك الصحف منصباً على مناطقها دون غيرها فهذا برأيي خطأ كبير قد ينعكس سلباً على المنطقة التي يكون لها صحيفة معينة تنقل أخبارها.

ولعلي هنا أتفق مع الأستاذ خالد المالك في رؤيته المعارضة لإنشاء صحف إقليمية تهتم بمنطقة دون غيرها وخصوصاً حينما تحمل مسميات مناطقها في وقت نسعى فيه جميعنا إلى تكريس مبدأ الوحدة الوطنية وتحديداً في هذا الوقت.

كما أن هناك سبباً آخر قد يجعل من فكرة إنشاء صحف إقليمية فكرة غير جديرة بالنجاح وهو تلك التكاليف المادية الكبيرة التي يجب توفرها لإنشاء صحيفة، حيث ذكر الدكتور هاشم عبده هاشم أن تكاليف إنشاء مؤسسة صحفية قد تصل إلى مبلغ ثلاث مائة مليون ريال سعودي وهو مبلغ كبير جداً وغير محفز لمن يريد استثماره في صحيفة إقليمية تهتم بمنطقة واحدة، حيث سيكون معدل التوزيع محدوداً ولا يغطي تكاليف تشغيل تلك الصحيفة.

ناهيك عن أن عدد مشتركي الإعلانات قد لا يساعد في المجازفة لإنشاء صحيفة يعلم مؤسسوها أن دائرة توزيعها لن تتعدى حدود منطقة واحدة وأن قراءها لن يتعدوا سكان تلك المنطقة. فلو نظرنا على سبيل المثال لصحيفة الوطن سنجد أنها بدأت بمسمى صحيفة عسير وانتهت الآن بمسمى صحيفة الوطن وهذا دليل على أن المناطقية في عالم الصحافة أمر غير مجدٍ فمصير الصحيفة الإقليمية إذا كتب لها النجاح سيكون الانتشار والذي سيتجه بها إلى ما هو أبعد من حدود منطقة واحدة وهنا وبطبيعة الحال ستخرج كل صحيفة تبدأ بإقليم إلى ما هو أبعد من هذا الإقليم بحثاً عن النجاح والتسويق، خصوصاً حينما نعلم أن الصحف هي في نهاية المطاف مؤسسات خاصة يهمها الربح المادي والذي لن يحققه لها حدود ضيقة للتوزيع. وهنا سيكون مصير جميع الصحف واحداً وهو البحث عن الانتشار وزيادة نطاق التوزيع وإما الفشل.

كما أن من يمعن النظر ملياً سيجد أن هناك إعلاماً إقليمياً في بلادنا يتمثل في تلك المنتديات التي انتشرت على الشبكة العنكبوتية، حيث نجد أن لكل منطقة ومدينة وقرية موقعاً خاصاً بها ينقل كل ما يجري فيها وبالرغم من ذلك نجد أن تلك المواقع امتدت لتنقل أخبار الوطن بمؤسساته التعليمية والصحية والأمنية كافة إلى غير ذلك من بقية أخبار الوطن وهذا دليل على أن فكرة صحيفة إقليمية هي فكرة غير موجودة أصلاً أو بمعنى آخر أن فكرة إنشاء صحيفة إقليمية ستبدأ على أساس أنها صحيفة إقليمية وسينتهي بها المطاف لتكون صحيفة للوطن بل وصحيفة للخبر والقارئ أينما يكونان.

في نظري أن هناك بدائل كثيرة نستطيع أن نحقق من خلالها المواءمة ما بين حاجة بعض المناطق إلى الصحافة التي تهتم بها وباحتياجاتها وما بين البعد عن خوض تجارب صحفية قد لا تجد ذلك النجاح في ظل وجود إمكانية فشلها وعدم قدرتها على أداء رسالتها على الوجه المطلوب.

ومن تلك البدائل التي أرى جدواها إذا ما تم أخذها بعين الاعتبار توسيع دائرة طبع الصحف الكبرى لتصل إلى أكبر قدر من مناطق بلادنا وهذا سيسهم في وصول الصحيفة إلى القراء بأسرع وقت ممكن وهذا يعتبر محفزاً لسكان المناطق للإقبال على القراءة وهم يجدون الصحف وقد وصلت إلى بيوتهم كمشتركين أو إلى المحال التجارية في وقت يتزامن مع توزيع تلك الصحف في مقارها الرئيسة.

كذلك ضرورة تفعيل مكاتب الصحف الكبرى والتي تنتشر في غالبية مناطق بلادنا بحيث يتم إعداد الملاحق الدورية والتي تحوي أخباراً لن يتسنى للصحيفة نشرها داخل العدد الرئيس وفي نفس الوقت هي أخبار مهمة بالنسبة لسكان تلك المناطق بحيث يحوي الملحق ما شهدته المنطقة من مناسبات أو زيارات رسمية أو أحداث مهمة.

كما أن هناك نقطة مهمة يتوجب علينا التوقف عندها وهي قضية تأهيل الصحفيين ومستوى وعي المسؤولين برسالة الصحافة، حيث إن من الأسباب التي كانت وراء معاناة بعض المناطق من ضعف دور الصحف في نقل احتياجاتها وأخبارها يعود إلى مدى مستوى تأهيل صحفيي تلك المناطق ومدى تجاوب المسؤولين في تلك المناطق وتعاونهم مع الصحفيين. فهذه النقطة لطالما كانت سبباً من أسباب عدم ظهور أخبار تلك المناطق في صحفنا الكبرى بشكل أكبر مما هو عليه الآن، حيث إنه ليس كل خبر صحفي يستحق النشر سواء من حيث الأهمية أم من حيث قدرة الصحفي على صياغة وتحرير الخبر بما يخدم الخبر والمنطقة. حيث يتوجب علينا الاعتراف بأن مستوى الصحفيين ليس واحداً في كل مناطق بلادنا وهذا يستدعي العمل على تأهيل أكبر عدد من الصحفيين في مختلف مناطقنا وكذلك العمل على إقامة لقاءات وندوات صحفية دورية يكون هدفها رفع درجة وعي المواطنين بالدور المهم الذي تقوم به الصحافة.

باعتقادي أن عدد سكان المملكة وواقع مجتمعنا السعودي مع القراءة هو أمر قد لا يشجع لإنشاء صحف جديدة خصوصاً في هذا الوقت الذي نعلم فيه حجم توزيع صحفنا الرسمية الكبرى في مختلف مناطق بلادنا والذي لم يصل بعد إلى الرقم الذي نقول عنده أننا بحاجة إلى إنشاء صحف جديدة.







fauz11@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد