Al Jazirah NewsPaper Friday  29/02/2008 G Issue 12937
الجمعة 22 صفر 1429   العدد  12937
عصر المادة وصلة الرحم
صلاح بن سعيد أحمد الزهراني - الرياض

سبحان رب العباد الذي خلق الأرض وأسكن آدم وزوجه فيها ليعمراها بأبنائهم الذين نحن من سلالتهم، وأوصانا بالتواصل والمحبة فيما بيننا وصلة الرحم، والمودة في القربى. لقد كان أسلافنا خيراً منا في هذا، يتواصلون فيما بينهم على فترات متقاربة، لم تكن المادة تشغلهم كما تشغلنا في هذه الأيام وتلهينا حتى عن أنفسنا أو أقرب الأقربين، ولكن سبحان من يغير ولا يتغير، طغت المادة على الروح، فأنستنا بعضنا بعضاً إلا مَن رحم الله، وقلّت صلة الرحم حتى أصبحنا لا نرى أقاربنا إلا في المناسبات المتباعدة، وكل يبدي عذره، وأغلب العذر مشاغل الحياة.

ونحن أمة محمد نسير على هدي القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال تعالى {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }(36) سورة النساء.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

ومن ذوي القربى بنو العمومة والأرحام، وفي صلة الرحم يقول المصطفى (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك). ثم قال صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (22 - 23) سورة محمد.

حتى الصدقات إذا كانت في ذوي القربى كان أجرها مضاعفاً، وقد أوصى الرسول الكريم أبا طلحة أن يجعل نفقته في الأقربين، ومن بر الوالدين صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً). رواه الترمذي.

وعنه قال: قال عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: (إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد لله تعالى له على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه). رواه مسلم.

فصديقك أخي في الله إما أن يكون ذا قربى أو من أحببته في الله، والصداقة هي نوع من المودة والرحمة، والصديق خير مرآة يرى فيها المرء عيوبه، فصديقك من صدقك، وأول صديق في الإسلام هو أبو بكر الصديق، والتزاور نوع من المودة، فكما يقولون بعيد عن العين بعيد عن القلب، وللزيارة آدابها التي على المسلم أن يعقلها حتى لا يكون ضيفاً غير مرغوب فيه، وحسن سلوك الضيف والمضيف يشد من أواصر هذه الصداقة والمودة، فإذا أساء أحدهما فقد أساء لنفسه. ولقد أوصى الرسول الكريم بصلة ذوي القربى، فيروى أن رجلاً جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك). رواه مسلم.

وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، قال رسول الله: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله). متفق عليه.

ومن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.

ومن حديث أبي إدريس الخولاني: أبشر فإني سمعت رسول الله يقول: قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في). رواه مالك بإسناد صحيح.

والمودة تشد الأزر، وتبعث في النفس الارتياح، وتلقي المحبة في القلوب، وتنزع من النفس التشاحن والبغضاء، وصلة الرحم واجبة وجوب الفرائض، قال تعالى {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} (1) سورة النساء، وقال كذلك في سورة الرعد (21) {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ}. فيا أولي النهي، ويا كل راغب في أن تدخر ليوم الميعاد، اجعل محبتك لله وفي الله وبالله، وتقرب إلى ذوي القربى بالمودة والرحمة، وصِل أرحامك يصلك الله ويبسط لك في رزقك وينسأ لك في أثرك، ومن القصص التي سمعتها قديماً أن رجلاً كهلاً كان على أيام موسى عليه السلام، طلب من نبي الله موسى أن يسأل رب العزة عن أجله، فجاءه موسى وقال له رب العزة يقول إن أجلك ينتهي بعد مدة كذا، وحدد له أجلاً، فقام الرجل وحجز لقوته ما يكفيه إلى ذلك الأجل وباع كل ما لديه ووصل بها أرحامه وذوي قرباه، وجاء الأجل والرجل في انتظار النهاية، وتجاوزه بيوم ثم بيومين ثم بثلاثة، فذهب إلى موسى عليه السلام وقال له: يا موسى لقد قلت لي إن أجلي ينتهي يوم كذا وقد مر هذا اليوم وتجاوزته بأيام، فوقع موسى في حيرة، وذهب ليكلم ربه، وبعد أن سجد لله سمع من رب العزة أن اسأل الرجل ماذا فعل، فعاد موسى فسأل الرجل ماذا فعلت بعد جوابي لك، قال: فعلت كذا وكذا، قال فلذلك مد الله في أجلك.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمناً ولا إلى النار مصيرنا، وأنزل في قلوبنا المودة والرحمة، واهدنا إلى سواء السبيل، واهد من قطع رحمه وقرابته، إنك على كل شيء قدير.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد