فإن دعوة الناس إلى الخير من أجلّ الأعمال وأفضلها وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد أمر الله تعالى في كتابه العزيز فقال: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل، وكما هو مقرر أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته، إلا إذا وجدت قرينة تخرج الأمة من الخطاب، وقد ذم الله تعالى الذين تركوا الدعوة إلى الخير في مواضع كثيرة في كتابه العزيز، ومن ذلك قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (78-79) سورة المائدة. والنبي صلى الله عليه وسلم بلغ دين الله تعالى وقام بتلك الوظيفة خير قيام وصبر على الناس وتحمل الأذى في ذلك، وقد حمل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدين العظيم وراح يدعوا الناس إليه على مختلف أجناسهم ومشاربهم ولم تكن دعوته محصورة في قومه فحسب بل انطلق يبلغها لكل الناس قائلاً لهم: (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، ولا ريب أن المسلم مطالب بالدعوة إلى دين الله تعالى على قدر استطاعته فمن يتبع الرسول فهو مطالب بحمل لواء هذه الدعوة المباركة قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف.
ويقول الشوكاني - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية (ومن ابتغى) أي: يدعو إليها من ابتغى واهتدى بهديي، وفي هذا دليل على أن كل متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حق عليه أن يقتدي به في الدعوة إلى الله. أي الدعوة إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغو عني ولو آية) ولا ريب أن الدعوة لها فضائل كثيرة من أهمها:
أن الله تعالى جعل الأمة التي تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أنهم هم المفلحون قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران. وأن الدعاة هم أحسن الناس حديثاً قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت. وأيضا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكة وأهل السماء والأرض حتى النملة في جحرها والحيتان في البحر ليصلون على معلم الناس الخير)، فانظر رعاك الله لهذا الفضل المبين نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، فعلى إخواننا المسلمين أن يجتهدوا في الدعوة بين الأهل والأقارب والجيران والأصحاب بل على كل أحد حسب الجهد والطاقة.
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغو عني ولو آية) وسوف تؤتي تلك الجهود الطيبة المباركة ثمارها في هداية المجتمع إن شاء الله تعالى وزوال المنكرات وتخفيفها وعدم وقوع البلاء على الأمة كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (117) سورة هود.
* الباحث العلمي برئاسة الإفتاء