الجزيرة- خاص
الدَّيْن هم بالليل، مشقة وعناء في النهار، وكم من بيوت مستقرة خربتها كثرة الديون، وكم من أشخاص ابتلوا بالديون، وفشلوا في سدادها، فكان السجن مصيرهم؟! وكم من أسر لجأت إلى (القروض) والاستدانة لحاجات غير ضرورية أو ملحة، وفشلت في السداد، فأصابها التفرق والتشتت؟!
ومغريات الديون كثيرة، والقروض متيسرة، وبعض البنوك تغري الناس بالإعلانات للاستدانة، والحصول على القروض، وهي تضمن كيف تسيطر على المقترض، ويدفع البعض الثمن غاليا.
(الجزيرة) طرحت قضية الديون، وكيفية معالجتها في المجتمع، وهل الاقتراض والدين سهل؟ ولماذا يدفع الكثيرون الثمن؟.. فكانت محصلة الإجابات:
****
حتى لا تغرق في الديون
في البداية يقول الشيخ عادل بن محمد العبدالعالي، إمام وخطيب جامع الفرقان بالدمام: إن الديون داء يفتك بالكثيرين ممن تساهلوا واستدانوا من هذا وذاك لغير حاجة ماسة أو ضرورة ملحة. إن الديون ظاهرة كبلت أيدي الكرماء وأخافت قلوب الأمناء. الديون ظاهرة اجتماعية اكتسحت البيوت، فرب الأسرة غرق في الديون، والأم الراعية عليها ديون، بل حتى الأبناء تساهلوا في الديون استدانة ومماطلة في السداد إلا من رحم الله. ولذا يلزمنا جميعا أن نقوم بواجب النصيحة للآخرين: نحذرهم من مفاسد الديون في الدنيا وسوء عاقبتها في الآخرة.
وتساءل الشيخ العبدالعالي قائلا: لماذا تكاثرت الديون على الناس؟ ولماذا غرق الكثيرون فيها؟، وقال: إن من تأمل واقع الناس، علم أنهم وقعوا في ما وقعوا فيه من الديون لأسباب عديدة منها:
أولا: خداع البنوك وشركات التقسيط للناس وتشجيعهم على الاقتراض، وهذه الخدمات المالية لا تريد منها هذه الشركات إلا التكسب الآمن وبعدها ليتورط من يتورط من أرباب الأسر، إنهم يخادعون الناس فيعلنون أن القروض الشخصية ستجعل حياة الفرد أكثر رفاهية وما هي إلا شهور ثم يكتشف أنه في مستنقع لا يدري كيف الخلاص منه! وفي دراسة أجرتها إحدى المجلات المتخصصة تبين أن ثلاثين بالمائة من المقترضين من شركات التقسيط غير قادرين على السداد لظروف طارئة عليهم وأربعين بالمائة هم من الممتنعين أو المتأخرين في السداد.
ثانيا: التساهل في استخدام البطاقات الائتمانية والتي تشجع المفلس على الشراء للكماليات وتحفزه لبعثرة الأموال في كل واد، وما هي إلا أيام فإذا بالراتب يقتص منه المبالغ تلك وزيادة فوائد ربوية تزداد يوما بعد يوم. وعلى المسلم أن لا تقترب من قروض الربا أبدا، فمهما ضاقت بك الحيل فلا تجعل الحرام مخرجك منها، وتذكر الحديث الرهيب الذي يزجر عن أكل الربا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد من ست وثلاثين زنية).
وثالث أسباب كثرة الديون: عدم قناعة بعض الناس بالقليل والبحث عن التفاخر والرفاهية الزائدة وقد نهى الله عن ذلك، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
رابعاً: إياك والإسراف والتبذير، فكثير من الناس يلزمون أنفسهم بأمور تكلفهم الكثير من الأموال وتثقلهم بالديون كمثل السفر السنوي في كل إجازة إلى دول الشرق والغرب، أو أداء العمرة في رمضان سنويا وهكذا الحج سنويا، أو إقامة الولائم الفاخرة بكثرة وكل ذلك يزيد الديون ويضخمها.
خامساً: المفاهيم الخاطئة التي يزعمها بعض من لا خلاق لهم، ممن يرون أن من لا دين عليه فهو ليس بذكي أو لا يعرف الرجولة، ويعتبرون أن مماطلة المقرضين لهم شطارة ودهاء، وفي ذلك قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: (أقول إن هذا بلا شك خطأ وأن العز والذل تبع الدين وعدم الدين فمن لا دين عليه هو العزيز، ومن عليه دين فهو الذليل، لأنه في يوم من الأيام قد يطالبه الدائن ويحبسه وما أكثر المحبوسين الآن في السجون بسبب الديون التي عليهم...).
سادساً: الانقياد للعادات والتقاليد المذمومة قد تجر إلى الديون: وأذكر قصة حدثت لأحد الفضلاء أنه انتقل هو وزوجته من قريته إلى مدينة بعيدة وذلك من أجل فرصة وظيفية.. قال: استقر بي الحال إلى سكن مناسب وراتب جيد ولكن بعد حين ظهرت لي مشكلة لا أظن أن لها حل، فلقد ركبتني الديون وضاعت علي رواتبي بسبب إكرام الضيوف القادمين من قريتي، وكلما زار أحد منهم هذه المدينة أقمت له الوليمة بالذبيحة والذبيحتين.. قال: فلما رأيت الديون قد تكاثرت علي قدمت استقالتي من هذا العمل ورجعت إلى قريتي أرجو السلامة من هذه الأمواج المتلاطمة!! ويقال لهذا الرجل وأمثاله أن الشرع يطالب المسلم أن يكرم ضيفه ولكن دون عادات الإسراف هذه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
سابعاً: المجازفة في مشروعات خاسرة لمجرد أن شخصا ما نجح في مشروع تجاري تجد آخرين يجمعون الأموال من هنا وهناك ثم يتسابقون للقيام بنفس المشروع، وغالبا ما تكون عاقبتهم الخسارة ومن ثم غرقهم في الديون. ولا شك أن التوفيق بيد الله إلا أن عدم دراسة الجدوى الاقتصادية سبب من أسباب فشلهم فينبغي النظر إلى حاجة الناس وعدد المنافسين في السوق ومناسبة الموقع ومجموع التكاليف الشهرية ونسبتها إلى صافي الأرباح وهكذا.. أما أن يقترض المرء ويتورط فهذا مما لا يفعله عاقل ولا يقول به من الأكياس قائل.
وقد جاء في الأثر: (الدين همّ بالليل مذلة بالنهار)، قال القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا: (وإنما كان شيئا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه والتذلل للغريم عند لقائه وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه).
الغرق في الديون
وعلى المسلم ألا يغرق في الديون، وعليه أن يفكر في عدة أمور -والحديث للشيخ العبدالعالي-:
أولاً: قبل أن تقدم على الاقتراض من الآخرين استشعر الأحاديث المفزعة في عاقبة الديون، ومن ذلك ما صح في السنة النبوية، ومنها: عن صهيب الخير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل يدين دينا، وهو مجمع أن لا يوفيه إياه، لقي الله سارقا)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها، أتلفه الله).
ثانياً: لا تقترض إلا مضطرا، فإن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس يقترض دون اضطرار لذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن اقترض، اقترض طعاما احتاجه، ورهن درعه عند المدين ليضمن براءة ذمته، فعن عائشة - رضي الله عنه-: إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد، قال ابن المنير: (وجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لو حضره الثمن ما أخره وكذلك ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزم إخراجه).
ولعل من فوائد الرهن أنه يدعو المستدين إلى أن يكون جادا في سداد دينه معجلا غير مؤجل.
ثالثاً: كثرة الدعاء بأن يغنينا الله بفضله عمن سواه، ونستعيذ بما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله: (اللهم إني أعوذ من ضلع الدين وغلبة الرجال) رواه البخاري بتمامه. وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم -أي الدين- فقال رجل: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا غرم كذب، ووعد فأخلف).
وينبغي أن تكون الديون التي عليك همك الأول، فتوفر ما تستطيع توفيره من أجل سدادها، هذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين)، ويجب أن تشارك الأسرة في ترشيد المصروفات، وتقلل من النفقات مراعاة لظروف راعيها وولي أمرها.
الترف وحب التباهي..!
ويرى الدكتور زيد بن محمد الرماني المستشار الاقتصادي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن الناس يبحثون عن الجديد يملأ الأسواق، لكن المشكلة هي أننا بعد كل هذا التطور الحديث في الأدوات، نجد أنفسنا مشدودين لكل ما يرد إلى السوق، ونحاول شراءه مهما كلفنا الأمر.
من هنا برز دور التقسيط بشركاته ومجالاته المتعددة سواء في مجال العقار أو السيارات أو الأثاث أو الأدوات الكهربائية أو حتى الزواج والسفر.
إن بعض المستهلكين يفرح بشراء الجديد بالتقسيط وينسى أنه سيدفع ثمن هذه الفرحة باهظا إذا لم يستطيع التسديد ولن تشفع له إغراءات الإعلان.
لقد تحول التقسيط من حل لمشكلة الحصول على منزل أو سيارة أو علاج أو زواج أو تذكرة سفر إلى دهاليز الترف وحب التباهي والتفاخر، فكانت النتيجة مطالبات قضائية وإفلاس وديون متراكمة.
فماذا يفعل المواطن إن هو احتاج لمبلغ من المال لشراء سيارة أو أرض في الوقت الذي لا يملك فيه ذلك المبلغ، سوى أن يذهب إلى إحدى شركات التقسيط للحصول على قرض يفي بحاجته، وطبعا يعود محملا بنماذج طلبات القروض وقوائم الشروط أو الضمانات.
وفي البيت يبدأ المستهلك حساباته التي تشاطره مأكله ومشربه، معتمدا على مظاهر الإفادة التي أخذها من شركات التقسيط ويبدأ في مقارنة العروض والخيارات التي أمامه ليستفيد من أي خفض في نسبة العمولة.
أما نسبة العمولة فحين يسأل المستهلك أحد العاملين في مجال التقسيط عن النسبة يأتي الجواب بكل حنان وصدق (نحن نأخذ 10% فقط؟!) ومن ثم فلا يملك إلا الدعاء لشركات التقسيط التي يسرت للمحتاجين هذه المبالغ التي لا جور فيها ولا إجحاف، ويبقى الظاهر غير الباطن، والقول غير الفعل، والنسبة المعلنة غير الحقيقية.
وحين يريد مستهلك معين قرضا قدره تسعون ألف ريال مثلا، من إحدى شركات التقسيط، يقال له إن النسبة (نسبة العمولة) 10% في السنة والتسديد يكون على ثلاث سنوات، فيوافق على ذلك ليبدأ عملية الحساب التي لا ترحم على النحو التالي: نسبة الـ10% بالنسبة للقرض تساوي تسعة آلاف ريال في السنة، ثم تضرب التسعة في ثلاث سنوات، ليكون المجموع سبعة وعشرين ألف ريال.
وهنا مكمن الخطأ والوقيعة ومن ثم الفخ لأن السنة الأولى يفترض عمولتها فعلا تسعة آلاف، أما السنة الثانية فالعمولة يجب أن تكون ستة آلاف، وفي السنة الثالثة ثلاثة آلاف، ومن ثم تصبح العمولة حوالي ثمانية عشر ألف وليس سبعة وعشرين.
لقد قامت إحدى الصحف بجولة في مدينة الرياض للتعرف على شركات التقسيط ومحاولة جمع معلومات تقريبية ترصد هذه الظاهرة (ظاهرة التقسيط) وحصلت على مجموعة من النتائج المهمة منها:
أولاً: 50% من السكان دون سن الثلاثين من المقبلين بشكل مكثف على التقسيط.
ثانياً: نسبة النمو السكاني تصل إلى 8% سنويا مما يعني تزايد هذه الظاهرة في الأعوام القادمة.
ثالثاً: يبلغ حجم الطلبات على التقسيط ما مجموعه 1000 طلب شهريا لدى شركات التقسيط في الرياض فقط.
رابعاً: تتراوح قيمة القرض المقدم إلى المستهلك الواحد في عمليات تأثيث المنزل مثلا بين 400-700 ألف ريال وتصل في بعض الحالات النادرة إلى مليون ونصف مليون ريال.
خامساً: 95% من المتقدمين بطلبات التقسيط هم من موظفي الدولة حيث لا تقبل بعض الشركات الطلبات المقدمة من أفراد يعملون في شركات أو مؤسسات أهلية.
سادساً: الحاجة الشديدة إلى شراء سيارة أو منزل أو عقار أو أثاث وما شابه ذلك دعت إلى بروز شركات التقسيط وانتشارها فلاقت رواجا كبيرا وإقبالا متزايدا من الناس.
الحصول على الحقوق أولا
ويؤكد د. زيد الرماني أن المشكلة أنه بالرغم من الحرص الشديد الذي تتبعه شركات التقسيط للحصول على حقوقها من المشترين عن طريق التقسيط بيد أن عدد الذين يتهربون عنهم أو يتأخرون في دفع الأقساط يتزايد كل يوم، وبالتالي ستزيد الإجراءات النظامية والقانونية التي تتخذها هذه الشركات ضد أولئك العملاء والمشكلة أن نسبتهم وصلت في إحدى الشركات إلى 30% يبحث عنهم وعن عناوينهم حاليا عن طريق الحقوق المدنية ومكاتب الشرطة.
وتعتبر طرق التحصيل، العامل المشترك الذي يربط بين جميع شركات التقسيط، فقد اضطرت إحدى الشركات خلال الفترة الماضية إلى رفع دعاوى ضد عملائها في السوق وما زالت تلاحقهم في المحاكم وأقسام الشرطة.
إن اللافت للأنظار تعدد أشكال سلع التقسيط فهناك الأجهزة المنزلية والسفر والزواج والعقار والأثاث والعقار والأراضي وأجهزة الحواسيب والسيارات، ومع تغير أنماط الحياة تغيرت سلوكيات الناس وتعقدت تباعا لذلك خططهم وأفكارهم.
إن السوق السعودي وفي ظل هذه الأوضاع في حاجة ماسة إلى مراكز معلومات هدفها التنسيق بين شركات التقسيط حماية للمستهلكين من فخوخ التقسيط وتبادل المعلومات بين شركات التقسيط، ومن الأهمية بمكان أن تعتمد هذه المراكز على التطور التقني الحديث والثورة الحاسوبية الجديدة من أجل ربط مركزي بطرفيات متعددة تتاح للمستفيدين في مختلف المناطق.
خصوصاً وأن الديون راية ارتفعت على رؤوس عدد من الناس، فالديون ظاهرة انتشرت في عدد من البيوت، وهي داء أخاف قلوب الآمنين، وعائق كبل أيدي السخيين.
فقد تكاثرت الديون على الناس حتى انتهى ببعضهم الأمر إلى السجون أو إلى لجنة تبيع الممتلكات لتعيد للدائنين أموالهم وحقوقهم.
الوصايا السبع
ويقدم د. الرماني مجموعة من النصائح للمواطنين لخطورة الدين، يجملها في قوله:
أولاً: التنفير من الاستدانة واستشعر أحاديث رسول الله عليه السلام في عاقبة الديون، كما في صحيح الترمذي -رحمه الله- (نفس المؤمن متعلقة بدينه حتى يقضى عنه) وكذا ما رواه مسلم - رحمه الله- (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين).
ثانياً: عدم اللجوء إلى الاقتراض إلا في حالة الاضطرار، وأن يكون ذلك في حدود ضيقة فقد روى البخاري -رحمه الله- عن عائشة -رضي الله عنها-: (أن النبي عليه السلام اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد)، لأن من فوائد الرهن أن يبادر المستدين إلى أن يكون جادا في سداد ديونه.
ثالثاً: تقوى الله قبل الدين ومعه وبعده، بحيث ينصب الدين على رفع ضيق أو حاجة عن نفسك أو أهلك، وأصدق العزم في رد المبالغ المستدانة عند تيسر ذلك، لأن {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) سورة الطلاق. ولأن رسول الله عليه السلام قال -كما في صحيح ابن ماجه رحمه الله- (ما من مسلم يدان دينا يعلم الله منه أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا).
رابعاً: الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، يقول القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: (وإنما كان الدين شيئا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل منته بالتأخير إلى حيث أوانه...).
خامساً: التنبه لمساوئ البطاقات الائتمانية، فقد تبين أن من يستعملها يقع في محذورين:
أحدهما: الإسراف في المصاريف والاستغراق في الديون.
وثانيهما: الوقوع في دائرة الربا، إن لم يستطع السداد في المدة المتفق عليها.
سادساً: الابتعاد قدر الإمكان عن التقسيط، إذ أصبح الناس في اندفاع كبير نحو شركات ومكاتب ومؤسسات التقسيط بشكل لافت للنظر، وهذه ظاهرة غير صحية في مجتمع مسلم، وما ذلك إلا لأن التقسيط هو بداية المزلة والانزلاق في أتون الديون.
سابعاً: الالتجاء إلى الله سبحانه، وردد (اللهم إني أعوذ بك من ضلع الدين) اقتداء بالرسول القدوة الأسوة عليه السلام الذي علمنا أن نقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال) كما في صحيح البخاري -رحمه الله-.
فقد كان رسول الله عليه السلام يكثر من الدعاء ويطلب السلامة من ضلع الدين (وهو الذي لا يجد دائنه ما يؤديه من حق أو مال).
فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله عليه السلام كان يدعو في صلاته قائلا: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) (أي الدين). فقال رجل: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال رسول الله عليه السلام: (إن الرجل إذا غرم كذب، ووعد فأخلف).
ويؤخذ من هذا أن الاستعاذة من الدين والاستدانة أمر مطلوب، لأنه ذريعة إلى الكذب في الحديث، الخلف في الوعد مع ما لصاحب الدين من المذلة والمهانة، وما عليه من المقال.
وخلاصة القول إن ظاهرة الديون لا بد من الوقوف في وجهها بشدة وصرامة قبل أن يستفحل خطرها ويتعاظم ضررها فلا تبقي أحدا.